للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك» ثم قال: «أيها الناس أنفذوا بعث أسامة، فلعمري لئن قلتم في إمارته لقد قلتم في إمارة أبيه من قبله، وإنه لخليق للإمارة، وإن كان أبوه لخليقا لها» .

وكان مما قاله: «ألا فمن كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد «١» . ومن كنت أخذت له مالا فهذا مالي فليأخذ منه. ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد. ولا يقولن قائل: أخاف الشحناء من قبل رسول الله، ألا وإن الشحناء ليست من شأني ولا من خلقي، وإن أحبكم إليّ من أخذ حقا إن كان له عليّ، أو حلّلني فلقيت الله عز وجل وليس لأحد عندي مظلمة» «٢» .

ألا فلتشهد الدنيا إلى أي حد وصل عدل الحاكم مع المحكومين، وإلى أي حد بلغت المساواة، وبلغ الاعتراف بالجميل لذويه، والإقرار بالفضل لأهله، وهل بعد هذا يدع مدع، أو يزعم زاعم أن أحدا أحق بالخلافة من أبي بكر.

[إن للموت لسكرات]

ثم اشتدت الحمى بعد برسول الله حتى قال له أبو سعيد الخدري: والله لا أطيق أن أضع يدي عليك من شدة حماك، فيجيبه: «إنا معاشر الأنبياء يضاعف لنا البلاء، كما يضاعف لنا الأجر» . وفي هذه الشدة كان يقول: «اللهم أعنّي على سكرات الموت» وكان كلما أفاق من غشيته قال: «اللهم الرفيق الأعلى» وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثهم قبل ذلك أن النبي لا يموت حتى يخيّر بين الدنيا والاخرة، قالت عائشة: (فلما سمعته يقول ذلك، وقد أدركته بحة علمت أنه اختار الاخرة على الدنيا) «٣» .


(١) فليستقد: فليقتص.
(٢) البداية والنهاية ج ٥ ص ٢٣٠- ٢٣١.
(٣) رواه البخاري.

<<  <  ج: ص:  >  >>