للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بم أحرم النبي؟]

وقد اختلفت الروايات في الصحيحين وغيرهما من كتب الحديث والسير في صفة إحرامه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع اختلافا كثيرا، واختلف تبعا لذلك أئمة العلم والفقه والحديث: أكان رسول الله مفردا، أم قارنا، أم متمتعا «١» ؟. وليس من شأني هنا أن أعرض لذلك بالتفصيل، فذلك يحتاج إلى رسالة، ولكني أقول:

إن الذي عليه المحققون من العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلّ بالحج، ثم أدخل عليه الإحرام بالعمرة فصار قارنا، واستمر على ذلك لم يتحلل من عمرته حتى قضى النسكين، لأنه كان ساق معه الهدي كما ذكرنا. ثم إنه صلى الله عليه وسلم أمر من أحرم بالحج ولم يسق الهدي أن يجعله عمرة ويتحلل منها، ثم يهل بالحج يوم التروية، فمن ثمّ حصل هذا الاختلاف، فمن روى أو رأى أنه أهل بالحج فقط أراد ما أهل به أولا، ومن قال: إنه كان قارنا أراد اخر أحواله، ومن قال إنه كان متمتعا أراد التمتاع اللغوي وهو الانتفاع بالجمع بين الحج والعمرة في أشهر الحج، أو أنه فهم من أمره بالاقتصار على العمرة والتحلل منها ثم الإحرام بالحج بعد أنه كان متمتعا «٢» .

وأحب أن يضع القارىء الفطن في اعتباره أنه من المستبعد أن تتفق عشرات الألوف هذه كلها على رواية أو رأي، إذ لم يسمع الكل من النبي أو يروا ما صنعه في وقت واحد، وبذلك لا يهوله هذا الاختلاف، ويستبعد من تفكيره أن يكون مبعثه التناقض، أو الهوى والتزيد.

وفي سرف- مكان قريب من مكة- أمر رسول الله من أحرم بالحج


(١) المفرد: المحرم بالحج فقط. القارن: أن يحرم بالحج والعمرة معا. أو يحرم بالحج ثم يدخل عليه العمرة، أو بالعكس. المتمتاع: أن يعتمر أولا في أشهر الحج، حتى إذا فرغ منها أحرم بالحج.
(٢) راجع صحيح مسلم بشرح النووي، ج ٨ ص ١٣٥؛ وفتح الباري، ج ٣ ص ٣٣٥؛ والبداية والنهاية، ج ٥ ص ١٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>