ها أنذا قد فرغت- ولله الحمد والمنة- من السيرة العطرة، ولم يبق إلا أن أكتب فصولا موجزة في صفاته صلى الله عليه وسلم الخلقية، والخلقية، ليتجلّى للقارىء أنه كان مثلا في كل شيء، وأن الله سبحانه سوّاه على أحسن صورة، وجمّله ظاهرا وباطنا، وتعهده بالعناية والتربية قبل النبوة وبعدها، ثم توالت عليه فيوضات الوحي وإشراقات النبوة حتى صار مثلا أعلى في كل شيء، واستأهل ثناء الله عليه بقوله: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ.
ونحن لا ننكر أن في تاريخ البشرية- ولا سيما الصفوة من الخلق، وهم الأنبياء والمرسلون- أناسا فضلاء ذوي أخلاق ودين، وهداة ومصلحين، وعلماء وحكماء، ومشرعين وفقهاء، وملوكا وخلفاء، ملأوا الدنيا عدلا، بعد أن ملئت جورا ... ورجالا أوفياء أمناء لا يغدرون ولا يخونون؛ وسادة قادة، وساسة عباقرة، وقوادا شجعانا، وأبطالا لا يرهبون الموت، وأن البشرية لا تخلو في أي عصر من أمثال هؤلاء.
ولكن الذي نلاحظه أنه لا يوجد رجل اجتمعت فيه كل هذه الصفات والمميزات مثل ما اجتمعت في نبينا محمد، ولا نكاد نعرف أحدا كمّله الله بكل فضيلة، ونزهه عن كل رذيلة، مثل ما عرفنا ذلك لرسولنا محمد صلوات الله وسلامه عليه.
وليس العجب من اجتماع هذه الصفات فيه، وإنما العجب حقا أنها فيه على سواء، فلا صفة تطغى على أخرى حتى تكاد تطمسها، ولا خلق يربو على