للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه أفلت منهم، فأصابهم الحزن والكمد، «ويمكرون، ويمكر الله، والله خير الماكرين» «١» .

[جن جنون قريش]

ولما تبينت قريش إفلات النبي منهم جنّ جنونهم، وصاروا يهيمون على وجوههم طلبا له، وجعلوا لمن يأتي به حيا أو ميتا مائة ناقة، وبعثوا القافة «٢» إثره في كل وجه، منهم: كرز بن علقمة، وسراقة بن جعشم، فصاروا يتبعون الأثر حتى انتهوا إلى جبل (ثور) ، ثم صعدوا الجبل حتى وقفوا على فم الغار.

[وهنالك وقفوا متحيرين]

إذا كان دخل الغار فكيف لم يتهدم نسج العنكبوت، ولم ينكسر بيض الحمام؟!

ووقفوا مترددين، أيدخلون الغار أم لا؟ حتى إن أحدهم همّ أن يدخل الغار فقال له الاخر: إن هذا العنكبوت لمن قبل ميلاد محمد!! وهكذا نرى أن الله صرف المشركين عن النبي وصاحبه، ويرحم الله الإمام البوصيري حيث قال:

وقاية الله أغنت عن مضاعفة ... من الدروع وعن عال من الأطم

[لا تحزن إن الله معنا]

وكان المشركون واقفين على فم الغار يتحدثون بمسمع من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصاحبه، وكان الصدّيق شديد الخوف على رسول الله حتى قال: يا رسول الله


(١) قد يراد بالمكر التدبير المحكم، وهو بهذا المعنى يجوز إسناده إلى الله، وقد يراد به التدبير في خفاء خشية الاستعلان، وهو بهذا المعنى لا ينسب إلى الله، وعليه فتكون الاية من قبيل المشاكلة اللفظية، أي ومكروا بالنبي هذا المكر السيىء فجازاهم الله على مكرهم بما هو أنكى لهم والم.
(٢) جمع قائف، وهو الذي يتبع أثر الأقدام في الأرض حتى يعلم أين ذهب صاحبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>