وفي جمادى الاخرة بلغه صلى الله عليه وسلم أن جمعا من قضاعة يتجمعون في ديارهم وراء وادي القرى ليغيروا على المدينة، فأرسل لهم عمرو بن العاص في ثلاثمائة من خيار المسلمين، لأن أم عمرو كانت من بليّ، ولعل في هذا تأليفا لهم، فلما صار إلى هناك خاف كثرة عدوه، فبعث إلى رسول الله يستمده، فندب لذلك المهاجرين والأولين، فانتدب أبو بكر وعمر في مائتين من سراة المهاجرين، وأمّر عليهم أبا عبيدة بن الجراح وقال له:«إذا أنت قدمت على صاحبك فتطاوعا ولا تختلفا» .
فلما قدم على عمرو قال له: إنما جئت مددا لي، فقال له أبو عبيدة: لا، ولكني على ما أنا عليه وأنت على ما أنت عليه، فأبى عمرو، فتذكر أبو عبيدة وصاة رسول الله- وكان رجلا سهلا هينا عليه أمر الدنيا- فقال له: يا عمرو، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي:«لا تختلفا» ، وإنك إن عصيتني أطعتك، وبذلك حسم الخلاف.
وسار عمرو بمن معه حتى وصل إلى بلاد بلي، فكان كلما انتهى إلى موضع به جمع تفرّقوا حتى انتهى إلى بلاد بلي وعذرة، فلقي جمعا ليس
(١) ضبطها ابن الأثير في النهاية، بضم السين الأولى، وكسر الثانية. وضبطها صاحب القاموس بفتح السين الأولى. سميت باسم ماء بأرض جذام يقال له السلسل، وقيل لأن المشركين ارتبط بعضهم إلى بعض مخافة أن يفروا. وذكر ابن سعد أنها وراء وادي القرى وبينها وبين المدينة عشرة أيام. ونقل ابن عساكر الاتفاق على أنها كانت بعد غزوة مؤتة إلا ابن إسحاق فقال: إنها كانت قبلها.