فقال سهيل: فو الله إذا لم أصالحك على شيء أبدا، فقال النبي:«فأجزه لي» فأبى فقال أبو جندل: يا معشر المسلمين أردّ إلى المشركين وقد جئت مسلما، ألا ترون ما قد لقيت؟ فازداد الناس غما فقال له الرسول:«يا أبا جندل، اصبر واحتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله، وإنا لا نغدر بهم» .
[نحر النبي هديه]
ولما فرغ النبي من كتابة العهد قال لأصحابه:«قوموا فانحروا ثم احلقوا» ثلاث مرات- فما قام منهم أحد، فقد أذهلهم ما هم فيه من الغم، والحزن عن أمر الرسول، فدخل رسول الله على زوجه أم سلمة وكانت خرجت القرعة عليها في سفر رسول الله هذا، فذكر لها ما وجد من الناس، فقالت- وكانت عاقلة حازمة-: يا نبي الله، اخرج، ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك.
فخرج فلم يكلّم أحدا منهم حتى فعل ذلك، فلما رأوا ما فعل الرسول قاموا فنحروا، وحلق بعضهم وقصّر اخرون، فقال الرسول:«يرحم الله المحلّقين» قالوا: والمقصّرين يا رسول الله، قال:«يرحم الله المحلقين» قالوا: والمقصّرين، قال:«يرحم الله المحلقين» قالوا: والمقصّرين، قال:«والمقصرين» قالوا:
يا رسول الله لم ظاهرت- كررت- الترحيم للمحلقين دون المقصرين؟ قال:
«لأنهم لم يشكّوا» .
[الأوبة إلى المدينة ونزول سورة الفتح]
ثم اب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مغتبط بما أتمّ من صلح، وفي الطريق أنزلت عليه سورة الفتح. روى البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره وعمر بن الخطاب يسير معه ليلا، فسأله عمر عن شيء فلم يجبه ثلاثا- قال عمر: فحركت بعيري ثم تقدمت أمام الناس، وخشيت أن ينزل فيّ القران، فما نشبت أن سمعت صارخا يصرخ بي، فقلت: لقد خشيت أن