للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحق أن الإغراب على القراء بمثل هذه الأفكار المسمومة، والاراء الشاذة الغريبة تشكيك لهم في عقائدهم الصحيحة، وتسميم لعقولهم، وانحراف بهم عن فطرتهم السليمة، والحق أبلج لا يحتاج إلى تكلف، وتعمّل وتفلسف من غير داع «وما أنا من المتكلّفين» كما أنه أثر من اثار مجاراة المستشرقين ومتابعتهم في أفكارهم.

[متى كان الإسراء والمعراج؟]

يكاد يجمع العلماء المحققون على أن الإسراء والمعراج كانا بعد البعثة المحمدية، وأنهما كانا في اليقظة لا في المنام، وقد تظاهرت على ذلك الروايات المتكاثرة في كتب الحديث المشهورة، وكتب السير الموثوق بها.

وأما ما روي من أنهما كانا مناما كما في حديث شريك بن عبد الله «١» عن أنس فهو غلط من شريك، وقد خالف فيه شريك أصحاب أنس «٢» في إسناده ومتنه بالتقديم والتأخير والزيادة المنكرة، وأشد أوهامه- أغلاطه- قوله:

سمعت أنس بن مالك يقول: «ليلة أسري برسول الله صلّى الله عليه وسلّم من مسجد الكعبة أن جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه» .

والإمام البخاري قد أخرج في صحيحه الرواية التي اتفق عليها الرواة عن أنس- ما عدا شريك- في عدة مواضع من كتابه، وهي الرواية الصحيحة، وذكر أيضا الرواية التي وقع فيها الغلط من شريك، ولعل ذلك لينبهنا إلى ما فيها من غلط، وللإمام البخاري في سوق الروايات والمتون المكررة شفوف نظر، ومقاصد دقيقة لا يقف عليها إلا من أطال النظر في هذا الكتاب الجليل.

وقد نبه على غلط شريك بن عبد الله في روايته الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه، فقد قال بعد ذكر سند رواية شريك: «وساق الحديث بقصته نحو حديث ثابت البناني، وقدّم فيه شيئا وأخّر وزاد ونقص» «٣» .


(١) شريك بن عبد الله بن أبي نمر تابعي مدني، وهو أكبر من شريك بن عبد الله النخعي التابعي.
(٢) يعني الرواة الذين عرفوا بالرواية عن أنس.
(٣) صحيح مسلم بشرح النووي ج ٢ ص ٢١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>