للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هجرة عمر بن الخطاب، وعيّاش في ركب من المسلمين

ثم هاجر الفاروق عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- وكان تواعد هو وعيّاش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص بن وائل السهمي على مكان من أضاة بني غفار «١» ، وقالوا: أينا لم يصبح فقد حبس، فليمض صاحباه، قال عمر: فأصبحت أنا وعياش بن أبي ربيعة عند هذا المكان، وحبس هشام، وفتن فافتتن.

وقد أخرج ابن عساكر وغيره عن علي- رضي الله عنه- قال: ما علمت أن أحدا من المهاجرين هاجر إلا مختفيا إلا عمر بن الخطاب، فإنه لما همّ بالهجرة تقلّد سيفه، وتنكّب قوسه، وأخرج أسهما من كنانته، وجعلها في يديه، واختصر عنزته «٢» ، ومضى قبل الكعبة والملأ من قريش بفنائها، فطاف بالبيت سبعا، ثم أتى المقام فصلّى ركعتين، ثم وقف على الحلق واحدة واحدة فقال لهم: شاهت الوجوه، لا يرغم الله إلا هذه المعاطس «٣» ، من أراد أن تثكله أمه، أو يؤتم ولده، أو ترمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي، فما تبعه أحد إلا قوم من المستضعفين علّمهم ما أرشدهم إليه، ثم مضى لوجهه، وقد صحبه في هجرته بعض أهله وقومه. كما صحبه بعض المستضعفين ليحتموا به.

وكان في ركب عمر نحو من عشرين راكبا، منهم: زيد بن الخطاب «٤» ، وعيّاش بن أبي ربيعة، وعمرو وعبد الله ابنا سراقة بن المعتمر العدوي،


(١) موضع على عشرة أميال من مكة.
(٢) حملها مضمومة إلى خاصرته، والعنزة: العصا.
(٣) شاهت: قبحت. لا يرغم الله: لا يلصق بالرغام وهو التراب. إلا هذه المعاطس: الأنوف.
(٤) أخو عمر، وهو أسن منه، أسلم قبله، وشهد بدرا والمشاهد، واستشهد باليمامة وراية المسلمين بيده سنة اثنتي عشرة، وحزن عليه عمر حزنا شديدا، وكان يقول: سبقني إلى الحسنيين: أسلم قبلي، واستشهد قبلي، ولما رثى متمم بن نويرة أخاه مالكا في شعره قال له: لو كنت أحسن الشعر لرثيت أخي مثل ما رثيت أخاك، فقال متمم: لو مات أخي على ما مات عليه أخوك لما رثيته، فقال عمر: ما عزاني أحد بمثل ما عزيتني به.

<<  <  ج: ص:  >  >>