للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تخاذل في صفوف المشركين]

لما نزلت قريش منازل القتال بعثوا عمير بن وهب الجمحي فقالوا له:

احزر- قدّر- لنا أصحاب محمد، فاستجال بفرسه حول العسكر، ثم رجع إليهم فقال: ثلاثمائة رجل يزيدون قليلا أو ينقصون، ولكن أمهلوني حتى أنظر أللقوم كمين أو مدد؟ فضرب في الوادي حتى أبعد فلم ير شيئا، فرجع إليهم، فقال: (ما رأيت شيئا، ولكن قد رأيت- يا معشر قريش- البلايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجلا منكم، فإذا أصابوا منكم أعدادهم فما خير العيش بعد ذلك، فروا رأيكم) «١» .

[فشل المساعي لعدم الحرب]

ثم سعى بعض العقلاء في الحيلولة بين قريش والحرب، فقد مشى حكيم بن حزام إلى عتبة بن ربيعة فقال: يا أبا الوليد إنك كبير قريش وسيدها والمطاع فيها، هل لك إلى ألاتزال تذكر فيها بخير إلى اخر الدهر؟ قال:

وما ذاك يا حكيم؟ قال: ترجع بالناس وتحمل أمر حليفك عمرو بن الحضرمي، قال: قد فعلت. هو حليفي علي عقله- دينه- وما أصيب من ماله، فأت ابن الحنظلية- أبا جهل- فإني لا أخشى أن يجسر أمر الناس غيره.

ثم قام عتبة خطيبا فقال: يا معشر قريش، إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمدا وأصحابه شيئا، والله لئن أصبتموه لا يزال الرجل ينظر إلى وجه رجل يكره النظر إليه، قتل ابن عمه، أو ابن خاله، أو رجلا من عشيرته، فارجعوا وخلّوا بين محمد وبين سائر العرب فإن أصابوه فذلك الذي أردتم، وإن كان غير ذلك لم نتعرض منه لما تكرهون.

فانطلق حكيم إلى أبي جهل، فأرغى وأزبد، واتهم عتبة بالجبن، والتخوف على ابنه أبي حذيفة الذي كان في صفوف المسلمين وأوعز إلى عامر


(١) فروا: أمر من رأى وصل بواو الجماعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>