للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البيت الذي كان أبي يضع ماله فيها، ثم وضعت عليها ثوبا، ثم أخذت بيده فقلت: يا أبت ضع يدك على هذا، فوضع يده عليه، فقال: لا بأس، وإذا كان ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا بلاغ لكم. ولا والله ما ترك لنا شيئا، ولكني أردت أن أسكّن الشيخ بذلك.

[البيت البكري وتضحياته في الهجرة]

وقد كان لال أبي بكر- رضي الله عنه- تضحيات، ومفاخر خالدة في سبيل الهجرة، وقد علمت ما كان من السيدة أسماء لمّا شقّت نطاقها نصفين، وستسمع ما كان من الشاب عبد الله بن أبي بكر، وما كان من مولى الصدّيق عامر بن فهيرة، وبذلك اجتمعت هذه المفاخر الكبرى للصدّيق- رضي الله عنه- وإليك ما رواه البخاري في هذا بسنده عن عائشة، قالت:

«ثم لحق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر بغار في جبل ثور، فمكثا فيه ثلاث ليال، يبيت في الغار عبد الله بن أبي بكر، وهو غلام شاب ثقف «١» لقن «٢» ، فيدلج «٣» من عندهما بسحر، فيصبح مع قريش بمكة كبائت، فلا يسمع أمرا يكتادان به «٤» إلا وعاه، حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة «٥» من غنم، فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء، فيبيتان في رسل- وهو لبن- منحتهما ورضيفهما «٦» حتى ينعق «٧» بها عامر بن فهيرة بغلس، يفعل ذلك كل ليلة» وبذلك كان عامر


(١) بفتح الثاء وكسر القاف ويجوز إسكانها: حاذق.
(٢) بفتح اللام وكسر القاف: سريع الفهم جيد الوعي.
(٣) بفتح الياء وتشديد الدال بعدها جيم: أي يخرج بغلس.
(٤) من الكيد، وهو بضم الياء مبنيا للمجهول.
(٥) غنما فيها لبن.
(٦) رضيف كرغيف: هو اللبن المرضوف، أي الذي وضعت فيه الحجارة المحماة بالشمس أو النار لينعقد وتزول رخاوته.
(٧) يصيح، والنعيق صوت الراعي إذا زجر الغنم.

<<  <  ج: ص:  >  >>