ونافح عنه، والقوي حقا هو الذي يرحم الضعفاء، والعظيم حقا هو الذي يلتمس المعاذير لمن يستزلهم الشيطان في غفوة من صدق الإيمان ووازع الضمير!!.
[مسيرة الجيش إلى مكة]
ثم مضى رسول الله لغزوته واستخلف على المدينة أبا رهم كلثوم بن حصين الغفاري، وكان خروجه لعشر مضين من رمضان من السنة الثامنة، فصام وصام الناس معه، حتى إذا كان بالكديد- موضع بين مكة والمدينة- أفطر حتى قدم مكة وانسلخ الشهر، وخرج معه المهاجرون والأنصار لم يتخلف منهم أحد، وانضمّ إليهم الاف من سليم ومزينة وغطفان وغيرها، وما إن وصل مرّ الظهران حتى صار تعداد الجيش عشرة الاف وقيل اثنا عشر ألفا، وشهدت الصحراء العربية الجيش العرمرم الذي لم تشهد له مثيلا من قبل، في عقيدته وإيمانه، وإيثاره الموت على الحياة والاخرة على الدنيا.
[إسلام العباس وبعض القرشيين]
وكان العباس بن عبد المطلب عم الرسول قد خرج من مكة مهاجرا إلى الله، واحتمل معه أهله وولده، فلقي الرسول بالجحفة «١» فأسلم، وقد سرّ الرسول بإسلامه غاية السرور، إذ قد كان ناصرا له ومؤيدا، وفي هم شاغل به وبدعوته مع بقائه على دين قريش، وإقامته بمكة على سقاية الحاج، وخرج من قريش أيضا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي، وعبد الله بن أبي أمية المخزومي، فلقيا رسول الله «بنيق العقاب» والتمسا الدخول عليه، فكلمته أم سلمة فيهما وقالت: يا رسول الله ابن عمك، وابن عمتك، وصهرك يلتمسان الدخول عليك فقال: «لا حاجة لي بهما، أما ابن عمي فبالغ في إساءتي،
(١) وقيل برابغ، والقريتان متجاورتان، وقد درست الجحفة وبقيت رابغ، ويرى بعض المؤرخين أن العباس كان قد أسلم من قبل ولكنه أخفى إسلامه لمصلحة الدعوة، فقد كان بمثابة العين لرسول الله على قريش، ثم أعلن إسلامه قبل الفتح، ومنهم من يرى أنه ذهب إلى المدينة قبل الفتح وأسلم وسار مع جيش الفتح، ويشكك بعض المؤرخين في هذا وذاك، والصحيح ما ذكرناه أولا.