للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبي، فتناول الذراع، فلاك منها قطعة فلم يسغها «١» ، وكان معه بشر بن البراء بن معرور، وقد أخذ منها قطعة فأساغها، وأما رسول الله فلفظها وقال:

«إن هذا العظم يخبرني أنه مسموم» .

ثم دعا بها فاعترفت فقال لها: «ما حملك على هذا؟» قالت: بلغت من قومي ما لم يخف عليك، فقلت: إن كان كذابا استرحنا منه، وإن كان نبيا فسيخبر، فتجاوز عنها، ومات بشر من أكلته هذه. ويروى أن النبي قتلها به قصاصا، وهكذا نجى الله نبيّه من غدر هذه اليهودية، كما نجّاه من غدرهم وهمهم بقتله فيما قبل، ولم يزل أثر هذا السم يعاود النبي صلى الله عليه وسلم كل عام حتى اختاره الله لجواره، ففي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما زالت أكلة خيبر تعاودني حتى قطعت أبهري «٢» » .

[تقسيم غنائم خيبر]

وبعد الموقعة وحيازة الغنائم خمّسها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبقى الخمس لنفسه يصرفه في مصارفه، ثم قسّم الباقي نصفين: نصفا قسمه في الغانمين، ونصفا أرصده لما ينوبه من الحاجات والمصالح، وقد جعل للفارس ثلاثة أسهم، وللراجل سهما، ولم يقسم رسول الله إلا لمن شهد الحديبية من حضر منهم خيبر ومن غاب، ولم يغب عن خيبر ممن شهد الحديبية إلا جابر بن عبد الله، فضرب له بسهمه، وكذلك أسهم النبي لأصحاب السفينة الذين قدموا من الحبشة مع جعفر بن أبي طالب بعد أن استأذن أصحابه.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وكّل إلى عبد الله بن رواحة أخذ النصف من غلتهم، فشكوا إلى رسول الله شدة خرصه- تقديره-، وأرادوا أن يرشوه، فقال:

يا أعداء الله تطعموني السحت!! والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إلي، ولأنتم أبغض من القردة والخنازير، ولا يحملني بغضي إياكم، وحبي إياه على


(١) لاك: مضغها، فلم يسغها: لم يبلعها.
(٢) الأبهر عرق متصل بالقلب إذا قطع مات الإنسان وهو كناية عن الموت.

<<  <  ج: ص:  >  >>