للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إغراء أبيّ بن خلف لعقبة بالنيل من الرسول

وكان أبيّ بن خلف، والشقي عقبة بن أبي معيط متصافيين حسنا ما بينهما، فكان عقبة قد جلس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسمع منه، فبلغ ذلك أبيا، فأتى عقبة فقال له: ألم يبلغني أنك جالست محمدا وسمعت منه؟! وجهي من وجهك حرام أن أكلمك- واستغلظ من اليمين- إن أنت جلست إليه، أو سمعت منه، أولم تأته فتتفل في وجهه، ففعل ذلك السفيه الشقي عقبة «١» ، فأنزل الله تعالى فيهما قوله:

وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (٢٧) يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا (٢٨) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا (٢٩) «٢» .

[رمي العاص بن وائل الرسول بأنه أبتر]

وقد بلغ البغض والسّفه ببعض المشركين أن عابوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما لا خيرة له فيه من موت أولاده الذكور، ولا يخلّ بدين، ولا مروءة، ولا رجولة، فمن هؤلاء العاص بن وائل السهمي، كان إذا ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: دعوه؛ فإنما هو أبتر لا عقب له، لو مات لا نقطع ذكره، واسترحتم منه، فأنزل الله تعالى سورة الكوثر بيانا لبعض ما رفع الله به ذكر رسوله، وأن شانئه هو الأبتر، قال سبحانه:

إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣) «٣» .


(١) السيرة ج ١ ص ٣٦١.
(٢) الايات ٢٧- ٢٩ من سورة الفرقان.
(٣) الكوثر: فوعل من الكثرة، وهو الخير الكثير الذي يشمل النبوة وعموم الرسالة، وكثرة الخصائص والفضائل. ومنه الكوثر النهر الذي في الجنة، وبعضهم خصّه به، والأول هو الأولى. انحر: اذبح نسكك. شانئك: مبغضك. الأبتر: الناقص الذي لا عقب

<<  <  ج: ص:  >  >>