للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الزبير بن العوام: والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم «١» هند بنت عتبة وصواحبها مشمّرات هوارب ما دون أخذهن قليل ولا كثير. وأضحت الهزيمة لا شك فيها، وأقبل المسلمون على جمع الغنائم، وما أكثرها، وشغلوا بها عن مطاردة المشركين، والإثخان، فيهم، وتطلع إلى الغنائم كثير من الرماة، فتركوا أماكنهم فكانت بوادر الهزيمة.

[مخالفة الرماة أمر الرسول]

ونسي معظم الرماة وصية الرسول إليهم ألايبرحوا مكانهم، وقالوا:

ما لنا في الوقوف من حاجة، وذكّرهم رئيسهم عبد الله بن جبير قائلا: أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وقال لهم: أما أنا فلا أبرح مكاني، فخالفه أكثرهم، وانطلقوا إلى الغنائم وثبت معه عشرة رماة، حينذاك اهتبل هذه الفرصة خالد بن الوليد، فشدّ على بقية الرماة فقتلهم، واندفع بخيله في ظهور المسلمين وأخذوهم على غرة وهم لاهون بجمع الغنائم، وصاح في قريش: أن ارجعوا، فعاد كل منهزم منهم، واندفعت قريش كالسيل الاتي إلى معسكر المسلمين؛ وصار المسلمون بين نارين، وهنالك دارت الدائرة على المسلمين وتحولت الصّبا دبورا «٢» ، ووقع الاضطراب في صفوفهم، وصار كل واحد يلقي بما في يده من مغنم، وعاد إلى سيفه يسلّه ليقاتل به، ولكن هيهات هيهات، لقد تفرقت الصفوف، وتمزقت الواحدة، وابتلع البحر اللجي من جيش قريش هذه الفئة القليلة من المسلمين.

لقد كانوا من منذ ساعة يقاتلون بوحي من إيمانهم، ودفاعا عن عقيدتهم، وها هم الساعة يقاتلون لينجوا من براثن الموت، ويفلتوا من ذل الأسر، وكانوا يقاتلون متراصين متضامنين، وهم الان يقاتلون مبعثرين مفرقين، لا نظام يجمعهم ولا واحدة تشملهم، وكانوا يقاتلون تحت قيادة حكيمة حازمة، وهم الان يقاتلون ولا قيادة لهم، فلا تعجب إذا صار المسلمون يضرب بعضهم


(١) الخدم: بفتح الخاء والدال جمع خدمة: الخلاخيل، وقيل موضع الخلاخيل من الساق.
(٢) الصبا: ريح تهب من المشرق. والدبور: تهب من المغرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>