للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاستسلام، وشرع المسلمون يقطعون الكروم ويحرقونها، فلما رأى المشركون أن المسلمين جادون أرسلوا إلى الرسول مع أبي سفيان بن حرب، والمغيرة بن شعبة أنه إن شاء فليأخذه لنفسه، أو ليدعه لله وللرحم، وكان رسول الله عطوفا رحيما فتركه لهم.

[مشورة نوفل بن معاوية الدئلي]

ولما طال حصار الطائف استشار رسول الله نوفل بن معاوية الدئلي فقال:

«ما رأيك في المقام عليهم» ؟ فقال: يا رسول الله، ثعلب في جحر، إن أقمت عليه أخذته، وإن تركته لم يضرك.

وكان رسول الله قد رأى رؤيا قصّها على صاحبه أبي بكر قال: «إني رأيت كأني أهديت لي قعبة مملوءة زبدا، فنقرها ديك فهراق ما فيها» ، فقال الصدّيق ما أظن أن تدرك منهم يومك هذا ما تريد، فقال رسول الله: «وأنا لا أرى ذلك» . ولما نما إلى الفاروق عمر ما قاله رسول الله أنه لم يؤذن له في اقتحام ثقيف جاء إلى الرسول فقال: أو ما أذن فيهم؟ قال: «لا» ، فقال: أفلا أؤذّن بالرحيل؟ قال:

«بلى» ، فأذن بالرحيل.

وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير أن يفتح الطائف، ولو أن رسول الله أقام على حصارهم لاشتدّ بهم الجهد، ولاضطروا بعد القتال إلى الاستسلام، ولكن الحكمة الإلهية اقتضت أن يؤخر الفتح عامئذ، لئلا يستأصلوا قتلا وأسرا، وقد كان رسول الله- كما هو دأبه- حريصا على عدم الإسراف في القتل وإراقة الدماء، كما كان حريصا على هدايتهم، ولما قيل له وهم قافلون من الطائف:

يا رسول الله أحرقتنا نبال ثقيف، فادع الله عليهم، قال: «اللهم اهد ثقيفا واكفنا مؤنتهم» .

ولو أننا رجعنا القهقرى إلى ما قبل الهجرة، وقد خرج إليهم داعيا إلى الله، وأن يؤوه حتى يبلغ رسالة ربه لرأينا أنهم ردوا عليه وكذبوه، وأغروا به الصبيان والسفهاء حتى رموه بالحجارة فأدموا عقبيه، فرجع مغموما لم يستفق إلا عند قرن الثعالب، فناداه جبريل فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك

<<  <  ج: ص:  >  >>