قد علمت انفا ما وجد النبي من ثقيف لما ذهب إليهم داعيا إلى الله، وما صنعوه معه من الأذى حتى أدموا عقبيه، وكيف عاد النبي من الطائف مهموم النفس، جريح الفؤاد، لا لما ناله من الأذى فذلك أمر يهون، ولكن خوفا على الدعوة ألاتجد مكانا صالحا لانتشارها، فقد كان صلّى الله عليه وسلّم يرجو من وراء رحلته المضنية إلى الطائف خيرا للدعوة، ومؤازرة لها، ولكنه وجد أهلها أسوأ من أهل مكة، وأجهل وأسفه، وكيف حال مشركو مكة بينه وبين دخول بلده لولا أن أجاره المطعم بن عدي سيد من سادات قريش، فتمكن من دخولها، والطواف حول الكعبة.
وفي هذه الغمرة من الماسي والأحزان، وصدود القوم عن الإيمان، ومحاربة الدعوة الإسلامية بكل الوسائل والطرق، وبعد هذه الشدائد المتلاحقة؛ كان من رحمة الله بعبده وحبيبه محمد صلوات الله وسلامه عليه أن يسرّي عن نفسه الجريحة، وفؤاده المحزون، فكان الإسراء والمعراج.
فقد شاهد من ايات ربه الكبرى ما شاهد، وعاين من أمارات العناية الإلهية به وبدعوته ما زاده يقينا إلى يقين بإنجاح دعوته، وتبليغ رسالة ربّه، ونصره على أعدائه، وأطلعه الله سبحانه من ملكوته العظيم على ما أطلعه عليه مما ملأ نفس الرسول رضى عن الله، وقلبه نورا وطمأنينة، وصدره ثلجا وانشراحا.