للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمه، واستأذن ربه في الاستغفار لها- كما روى الحاكم وغيره- فتساهل لا يليق بمثله، فإنها لا تعادل رواية الصحيح، وقد رد الإمام الذهبي في «مختصر المستدرك» تصحيح الحاكم؛ لأن في إسناده أبا رزين هانىء وقد ضعّفه ابن معين، وله علّة ثانية وهي مخالفته للمقطوع بصحته في البخاري من نزولها عقب موت أبي طالب، وهو كلام حسن. ولعل تأويل الزرقاني أولى وأقرب من تأويل الحافظ ابن حجر؛ لأنه يبعد أن يستمر النبي بضع سنوات يستغفر لعمه حتى نهي بعد.

[رواية لابن إسحاق]

وروى ابن إسحاق أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما قال له: «قل كلمة أستحلّ لك بها الشفاعة يوم القيامة» ورأى حرص رسول الله قال: «ابن أخي، والله لولا مخافة السبّة عليك، وعلى بني أبيك من بعدي، وأن تظن قريش أني قلتها جزعا من الموت لقلتها، لا أقولها إلا لأسرك بها» قال الراوي: فلما تقارب من أبي طالب الموت نظر العباس إليه يحرك شفتيه، فأصغى إليه بأذنه، فقال: يا ابن أخي، والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته أن يقولها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

«لم أسمع» .

وهي رواية ضعيفة؛ لأن فيها من لم يسمّ «١» ، فأحد رواتها مجهول، ولعل البلاء منه، ولو أن العباس- رضي الله عنه- شهد بذلك بعد ما أسلم لقبلت روايته، أما وقد ذكر ذلك عنه قبل إسلامه فهي رواية غير مقبولة، لأن السند إليها لا يثبت كما قلنا، وأيضا فهي تعارض ما روي في الصحيحين وغيرهما.

فالصحيح أن أبا طالب مات على دين قومه، وهو الذي دلّت عليه الأحاديث الصحيحة التي رواها الشيخان وغيرهما، وأما ما روي من أنه أسلم فهي روايات ضعيفة وموضوعة، وقد عرض لها الحافظ ابن حجر في الإصابة فليرجع إليها من يشاء.


(١) قال ابن إسحاق: حدثني العباس بن عبد الله بن معبد بن عباس عن بعض أهله عن ابن عباس ... ومثل هذا السند لا يعتبر صحيحا عند أئمة الحديث والرواية.

<<  <  ج: ص:  >  >>