للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من ذهب وأني اذيت رجلا منكم، ردّوا عليهما هداياهما فلا حاجة لي بها، فخرجا من عنده مقبوحين، مذمومين مدحورين، وأقام المسلمون عند النجاشي بخير دار، مع خير جار، حتى قدم منهم من قدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمكة بعد، وبقي من بقي حتى قدموا عقب خيبر سنة سبع.

وهكذا نرى من هذه القصة أن من يصدق الله يصدقه، وينصره على من يريد به سوا، ويجعل له من ضيقه وأزماته فرجا ومخرجا، وعسى أن يكون فيها عبرة للذين يتصدّون للدعوة الإسلامية، وذلك بأن يلتزموا جانب الحق والصدق في دعوتهم، وألايحرّفوا فيها، أو يغيروا، أو يداهنوا تبعا للأهواء السياسية وغيرها، وليجاهروا بالحقائق الإسلامية، وليكن في ذلك ما هو كائن.

إسلام النجاشيّ

وقد أسلم النجاشي، وصدّق بنبوة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وإن كان قد أخفى إيمانه عن قومه؛ لما علمه فيهم من الثبات على الباطل، والجمود على العقائد الموروثة وإن صادمت العقل والنقل. وقد روي في الصحيحين عن أبي هريرة، رضي الله عنه: «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلّى، فصفّ بهم، وكبّر أربع تكبيرات» .

وقد روي أيضا أن اسمه (أصحمة) ، فقد روى البخاري عن جابر قال:

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين مات النجاشي: «مات اليوم رجل صالح، فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة» «١» وروي هذا عن غير واحد من الصحابة «٢» .

[جواز الصلاة على الغائب]

وقد استدل بما صحّ من صلاة النبي والمسلمين على النجاشي على جواز الصلاة على الغائب، وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء سلفا وخلفا، وصار شرعا متبعا إلى يوم القيامة.


(١) بفتح الهمزة، وسكون الصاد، وفتح الحاء والميم كما في القاموس.
(٢) البداية والنهاية، ج ٣ ص ٧٧. وانظر صحيح البخاري ومسلم- كتاب الجنائز.

<<  <  ج: ص:  >  >>