لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك تواردت عليه الوفود، ودخل الناس في دين الله من كل فج، فلما حلّ موسم الحج أراد الحج ولكنه قال:«إنه يحضر البيت عراة مشركون يطوفون بالبيت، فلا أحب أن أحج حتى لا يكون ذلك» . فأرسل الصدّيق أميرا على الحج سنة تسع، وبعث معه بضعا وثلاثين اية من صدر سورة براءة ليقرأها على أهل الموسم «١» .
فلما خرج دعا النبي صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله عنه وراءه، وقال له:«اخرج بهذه الايات من صدر سورة براءة، فأذّن- أعلم- بها في الناس إذا اجتمعوا» فخرج علي على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم «العضباء» حتى أدرك الصديق أبا بكر بذي الحليفة، فلما راه الصدّيق قال له: أمير أم مأمور؟ فقال: بل مأمور، ثم سارا، فأقام أبو بكر للناس الحج على منازلهم التي كانوا عليها في الجاهلية، وكان الحج في هذا العام في ذي الحجة كما دلت على ذلك الروايات الصحيحة لا في شهر ذي القعدة كما قيل.
وقد خطب الصدّيق قبل يوم التروية معلّما الناس مناسكهم، ثم خطب يوم عرفة، ويوم النحر، وكان كلما خطب أمير الحج «الصدّيق» قام أبو الحسن «علي» فقرأ على الناس صدر سورة براءة، ثم ينادي في الناس بهذه الأمور الأربعة.
(١) هذا ما عليه الأكثر، وقيل إنها نزلت بعد خروج الصدّيق فأرسل عليا وراءه للحكمة التي سنذكرها.