للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال: وهذه صفة نبي كنت أعلم أنه نبي، ولكن لم أعلم أنه منكم، وإن يك ما قلت حقا فيوشك أن يملك موضع قدميّ هاتين، ولو أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت قدميه!! ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرىء على الحاضرين، فعلت أصوات من حوله من عظاماء الروم وكثر لغطهم، وأمر بأبي سفيان وأصحابه فأخرجوا، فقال أبو سفيان: لقد عظم أمر ابن أبي كبشة «١» ، هذا ملك بني الأصفر «٢» يخافه، فما زلت موقنا أنه سيظهر حتى أدخل الله عليّ الإسلام.

ولما سار قيصر إلى حمص وأذن لعظماء الروم في دسكرة له، ثم أمر بأبوابها فأغلقت، ثم قال: يا معشر الروم، هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبت ملككم، فتبايعوا هذا النبي؟ فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها مغلقة، فلما رأى قيصر نفرتهم وغضبهم قال: ردّوهم علي، ثم قال لهم: إنما قلت مقالتي انفا أختبر بها شدتكم على دينكم، فسجدوا له ورضوا عنه «٣» . وهكذا غلبه حب ملكه على الإسلام، فذهب بإثمه وإثم رعيته كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكنه مع هذا كرّم دحية ورده ردا جميلا.

[كتاب كسرى]

ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة السّهمي بكتاب إلى كسرى «٤» ملك الفرس، وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، فدفعه هذا إلى كسرى ونصه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى، وامن بالله ورسوله، وشهد ألاإله إلا الله


(١) قيل: هو كنية أبيه من الرضاعة، واسمه الحارث بن عبد العزى، كانوا ينسبونه إليه استهزاء.
(٢) بنو الأصفر: الروم.
(٣) صحيح البخاري، باب بدء الوحي، وكتاب الجهاد- باب دعاء النبي الناس إلى الإسلام.
(٤) كسرى لقب لكل ملك الفرس وهو كسرى بن برويز بن هرمز بن أنو شروان.

<<  <  ج: ص:  >  >>