ونعمّا أشار به الفاروق، فإنه ربما يكون من المخاطرة الحرب في بلاد الشام، مع أن الجزيرة لم تكن أسلمت أو استسلمت كلها، وقد تمّ ذلك بعد تبوك. قدمت ثقيف مسلمة ومذعنة في هذا العام وما بعده حتى صارت الجزيرة كلها على قلب رجل واحد، وبذلك حصل التهيؤ للجهاد والفتوحات خارج الجزيرة وتبليغ الإسلام للناس كافة، وهذا ما قام به الخلفاء الراشدون بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.
موت ذي البجادين «١»
وفي طريق الأوبة مات عبد الله ذو البجادين، فحفروا له ونزل رسول الله في حفرته، وأبو بكر وعمر يدليانه إليه. وإذا هو يقول:«أدنيا لي أخاكما» فدلياه فلما هيأه لشقه قال «اللهم إني قد أمسيت راضيا عنه فارض عنه» .
[مكيدة بعض المنافقين]
كان بعض المنافقين في الأوبة تامروا على رسول الله أن يزحموه في الطريق وهو على رأس عقبة- مكان عال- ولكن الله عصمه منهم. روى البيهقي عن حذيفة بن اليمان قال: كنت اخذا بخطام ناقة رسول الله، وعمار يسوق الناقة، حتى إذا كنا بالعقبة إذا باثني عشر رجلا قد اعترضوه فيها، قال: فأنبهت رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرخ فيهم، فولّوا مدبرين، فقال رسول الله:«هل عرفتم القوم؟» قلنا: لا، يا رسول الله، قد كانوا متلثمين، قال:«هؤلاء المنافقون يوم القيامة، وهل تدرون ما أرادوا؟» قلنا: لا، قال:«أرادوا أن يزحموا رسول الله في العقبة فيلقوه منها!!» قلنا: أولا تبعث إلى عشائرهم حتى يبعث إليك كل قوم برأس صاحبهم؟ قال:«لا، أكره أن يتحدث العرب أن محمدا قاتل بقومه حتى إذا أظهره الله بهم أقبل عليهم يقتلهم» ودعا عليهم.
(١) البجاد بكسر الباء وبالجيم هو الكساء الغليظ المخطط، كان يريد الإسلام فمنعه قومه وضيقوا عليه حتى خرج من بينهم وليس عليه إلا بجاد فشقه اثنين، فائتزر بواحد وارتدى بالاخر وقدم على رسول الله فقيل له: ذو البجادين لذلك.