في رجب من السنة الثانية، أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم رهطا من المهاجرين ثمانية «١» ، وقيل سبعة، وأمّر عليهم عبد الله بن جحش الأسدي، وأعطاه كتابا وقال له:«لا تفتحه إلا بعد يومين، فإذا فتحته فامض لما أمرتك به، ولا تستكره أحدا من أصحابك» فلما سار بهم يومين فتحه فإذا فيه:
«إذا نظرت كتابي فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف، فترصّد بها قريشا وتعلّم لنا من أخبارهم» فلما قرأ الكتاب قال: سمعا وطاعة، وأخبر أصحابه بما في هذا الكتاب، وقال: قد نهاني أن أستكره أحدا منكم، فمن كان يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق، ومن كره ذلك فليرجع، فأما أنا فماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمضى ومضى معه أصحابه لم يتخلّف منهم أحد.
وإنما وقع اختيار النبي على هذا المكان البعيد لأن أهل مكة كانوا قد بدؤوا يحتاطون لتجارتهم، ويأخذون لها الحذر، ويجتهدون في إخفاء أخبارها عن أهل المدينة، فغلبهم النبي على حذرهم، وأراد أن يتعرف أخبار تجارتهم من وادي نخلة الواقع بين مكة والطائف؛ وكانت حكمة بالغة أن لم يخبر النبي السرية بمقصده من إرسالهم ووجهتهم قبل مغادرتهم المدينة، حذرا من أن يشاع الخبر، فينقله أحد المنافقين أو اليهود إلى قريش، فتترصدهم في هذا المكان النائي عن المدينة، وهم قلة فتقتلهم.
(١) هم: أبو حذيفة بن عتبة، وعكاشة بن محصن، وعتبة بن غزوان، وسعد بن أبي وقاص، وعامر بن ربيعة، وواقد بن عبد الله التميمي، وخالد بن البكير، وسهيل بن بيضاء الفهري.