للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التفتت إلى القوم، فسبّتهم، ووبختهم على هذا العمل، وقد قتله علي بن أبي طالب، وقيل عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح.

ولما قتل النضر بن الحارث رثته أخته قتيلة بنت الحارث، وكان مما قالت:

أمحمد يا خير ضنء «١» كريمة ... من قومها والفحل «٢» فحل معرق

ما كان ضرّك لو مننت وربما ... منّ الفتى وهو المغيظ المحنق

والنضر أقرب من أسرت قرابة ... وأحقهم إن كان عتق يعتق

قال ابن هشام: يقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه هذا الشعر قال: «لو بلغني هذا قبل قتله لمننت عليه» «٣» وليس هذا بعجيب من الرؤوف الرحيم الذي وسع خلقه الناس جميعا محسنهم ومسيئهم. أما باقي الأسارى فلم يكن الرسول وأصحابه قد اتفقوا على رأي بالنسبة إليهم، أيقتلون أم يفادون؟

[أسارى بدر]

ولما استقر المقام للمسلمين بالمدينة بعد بدر استشار النبي أصحابه فيما يصنعون بالأسارى، فقال الصدّيق أبو بكر- وكان رحيما رقيقا-:

يا رسول الله قومك وأهلك، وإني أرى أن تأخذ منهم الفداء، فيكون ما أخذناه قوة لنا على الكفار، وعسى أن يهداهم الله فيكونوا لنا عضدا، فقال رسول الله:

«ما ترى يا ابن الخطاب» ؟ فقال عمر- وكان صلبا في الحق شديدا-: والله ما أرى رأي أبي بكر، ولكني أرى أن تمكنني من فلان- قريب لعمر- فأضرب عنقه، وتمكن عليا من أخيه عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه، حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين، وهؤلاء صناديدهم، وأئمتهم، وقادتهم، وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله، انظر واديا كثير الحطب فأدخلهم فيه، ثم أضرمه عليهم نارا.


(١) الضنء: بفتح الضاد وكسرها: الولد.
(٢) تريد الأب، أي إنه كريم الأبوين.
(٣) البداية والنهاية، ج ٣ ص ٣٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>