للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[رأي المسلمين في الشروط]

أما المسلمون فرأى بعضهم كالصدّيق ما رأى الرسول في الشروط وسلّموا بها، ورأى بعضهم ولا سيما في الشرط الثاني إجحافا بحق المسلمين، وقالوا:

سبحان الله!! كيف نرد إليهم من جاء مسلما، ولا يردّون إلينا من جاء مرتدا؟

فأجابهم الرسول بهذا الجواب الحكيم: «إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله، ومن جاءنا منهم فرددناه إليهم فسيجعل الله له فرجا ومخرجا» .

ومن هذا الفريق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكما هو معروف عنه من الصلابة في الحق وحب المراجعة فيما لم يستبن له فيه وجه الحق والصواب؛ أبى إلا أن يعلن عما في نفسه، فذهب إلى الصدّيق رضي الله عنه، فقال:

يا أبا بكر، أليس برسول الله؟ قال: بلى، قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى، قال: أو ليسوا بالمشركين؟ قال: بلى، قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟!! فقال أبو بكر: يا عمر، الزم غرزه «١» - طريقته-، فإني أشهد أنه رسول الله، فقال عمر: وأنا أشهد أنه رسول الله.

وكأن الفاروق لما يزل في نفسه بعض الحرج في قبول هذا الشرط، فرأى أن يستبين من الرسول وجه الحق وأن يسمع منه، فأتى رسول الله وقال له:

ألست برسول الله؟ قال: «بلى» ، قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: «بلى» ، قال:

أو ليسوا بالمشركين؟ قال: بلى، قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ فقال الرسول: «أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره، ولن يضيعني «٢» » ، فلم يكن بدّ من أن يذعن الفاروق وينتظر ما تجيء به الأيام، ولم تلبث الأحداث أن أظهرت بعد نظر الرسول كما ستعلم عن كثب.


(١) الغرز للبعير: كالسرج للفرس، والمراد الزم أمره وطريقته وإياك والمخالفة.
(٢) هذا ما ورد في السيرة لابن إسحاق، وفي الصحيح أنه أتى النبي أولا فسأله، ثم أتى أبا بكر بعد ذلك فسأله، وقد رجّحت ما في السيرة على ما في الصحيح لأن بقاء شيء من الشك بعد سؤال الفاروق للصدّيق حتى سأل النبي فأزال ما بقي عنده أقرب من بقاء شيء من الشك بعد سؤال عمر للنبي حتى سأل الصدّيق فأجابه وأزال ما بقي عنده، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>