ولما أسلم عمر فكر فيمن هو أشد أهل مكة عداوة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فرأى ذلك أبا جهل، قال: فأقبلت حين أصبحت حتى ضربت عليه بابه، قال:
فخرج إلي أبو جهل فقال: مرحبا وأهلا بابن أختي «١» ، ما جاء بك؟ قال: جئت لأخبرك أني قد امنت بالله وبرسوله محمد، وصدّقت بما جاء به، قال: فضرب الباب في وجهي، وقال: قبّحك الله وقبّح ما جئت به.
[تحدي عمر لقريش]
وأراد عمر أن يفي بما وعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أنه لا يبقى مجلس جلس فيه بالكفر إلا جلس فيه بالإيمان، وأن يناله في الله ما نال المسلمين، فسأل: أي قريش أنقل للحديث؟ فقيل له: جميل بن معمر الجمحي، فغدا عليه وغدا ابنه عبد الله بن عمر وراءه، وهو غلام يعقل كل ما يرى لينظر ما يفعل، حتى جاءه، فقال له: أعلمت يا جميل أني قد أسلمت ودخلت في دين محمد؟! قال ابن عمر: فو الله ما راجعه حتى قام يجر رداءه، واتّبعه عمر، واتبعت أبي حتى إذا قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش- وهم في أنديتهم حول الكعبة- ألا إن عمر بن الخطاب قد صبأ!! وعمر من خلفه يقول:
كذب، ولكني أسلمت، وشهدت ألاإله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله.
وثاروا إليه، فما برح يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رؤوسهم، ونال منه الإعياء فقعد، وأقاموا على رأسه وهو يقول: افعلوا ما بدا لكم، وأحلف بالله لو قد كنّا ثلاثمائة رجل تركناها لكم، أو تركتموها لنا.
[إجارة العاص بن وائل السهمي له]
وقد عزّ على قريش أن يجاهرها عمر بالإسلام، ويغشى نواديهم متحديا،
(١) أم عمر هي ابنة عم أبي جهل، لأنها حنتمة بنت هاشم، وهو عمرو بن هشام، لا أخته كما زعم ابن إسحاق (السيرة ج ١ ص ٣٥٠) . ولعل الوهم جاء من تسميته بابن أخته، والعرب قد يطلقون على بنت العم أختا، وعلى ابنها ابن الأخت، ولا يزال هذا العرف جاريا عندنا بمصر.