للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخديجة بنت خويلد «١» ، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد «٢» على سائر الطعام» .

[وفاء الرسول لها بعد وفاتها]

وإذا كان الرسول الكريم قد وفى لها في حياتها بحسن العشرة، وكريم الصحبة، والحرص على تطييب نفسها بعدم الزواج عليها، فقد وفى لها بعد وفاتها، فقد كان دائم الذكر لها، والإشادة بفضائلها والترحم عليها، والإحسان إلى صديقاتها، وإكرام كل من يمت بسبب إليها «٣» ، وإذا جاز أن يضيع المعروف عند الناس فهو لا يضيع قط عند معلّم الناس الخير، وصانع المعروف، وهو القائل: «من أسدى إليكم معروفا فكافئوه، وإلا فادعوا له» «٤» وإذا كان رسول الله وفى لمن لم يستحق الوفاء، فكيف بمن هي أهل للوفاء؟! فلا عجب إذا كان وفاؤه للسيدة خديجة منقطع النظير.

ففي غزوة بدر الكبرى أسر السيد الجليل أبو العاص بن الربيع صهر الرسول، وزوج ابنته السيدة زينب رضي الله عنها، فأرسلت السيدة الوفية زوجته فداء له، وفيه قلادة كانت قلّدتها بها والدتها السيدة خديجة ليلة زفافها، فلما راها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رقّ لها رقة شديدة، وقال لأصحابه «إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، وتردّوا عليها قلادتها فافعلوا» ، فما كان من أصحابه إلا أن استجابوا، وكيف لا يستجيبون إلى نداء القلب المشوق، الذي أهاجته الذكرى وهم ذوو الحس المرهف، والشعور الرقيق والأدب العالي!!.


(١) من الموافقات اللطيفة التي جمعت الثلاث في نسق واحد أن كل واحدة منهن كفلت نبيا مرسلا، وأحسنت صحبته، وامنت به، فاسية ربّت موسى، وأحسنت إليه، وصدّقت به حين بعث، ومريم كفلت عيسى وربّته وصدّقت به حين أرسل، وخديجة رغبت في النبيّ وواسته بنفسها ومالها، وأحسنت صحبته، وكانت أول من صدّقه حين نزل عليه الوحي.
(٢) الثريد: الفت باللحم وكان عند العرب من أطيب الأطعمة.
(٣) بقرابة.
(٤) رواه أبو داود والنسائي بسند صحيح بلفظ «من صنع» .

<<  <  ج: ص:  >  >>