وقد كان ذكره صلّى الله عليه وسلّم الدائم لخديجة، وثناؤه عليها يثير غريزة الغيرة في نفس عائشة، فتنال منها، ولكن رسول الله كان يقسو عليها في الرد، مما جعلها تؤلي على نفسها ألا تعود. روى الإمام أحمد والطبراني بسندهما عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:(كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها، فذكرها يوما من الأيام، فأخذتني الغيرة، فقلت:
هل كانت إلا عجوزا قد أبدلك الله خيرا منها، فغضب ثم قال:«والله ما أبدلني خيرا منها، امنت بي إذ كفر الناس، وصدّقتني إذ كذّبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها الولد دون غيرها» ، قالت عائشة: فقلت في نفسي: لا أذكرها بعدها بسبة أبدا) !! وروى نحوه البخاري.
ولم يقف الوفاء عند ذكرها، بل كان يحب حبيباتها، ويصلهن، فكان يذبح الشاة، ويقطّعها، ويقول:«أرسلوا إلى صديقات خديجة» رواه البخاري.
وكانت تستأذن عليه هالة بنت خويلد أخت خديجة فيذكره صوتها بصوت خديجة، وحديثها العذب، وأيامها الحلوة، فيهش لها، وترتاح نفسه لذلك، وتشرق أسارير وجهه «١» .
وجاءته ذات يوم امرأة عجوز من صويحباتها فأحسن لقاءها، وصار يسأل عن أحوالها، وما صارت إليه، فقالت عائشة لما خرجت: تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال؟! فقال:«إنها كانت تأتينا زمان خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان» رواه الحاكم، والبيهقي في الشعب. فلله هذه السيدة العاقلة الطاهرة، التي لها دين كبير في عنق كل مسلم ومسلمة.
(١) صحيح البخاري- كتاب- الفضائل باب تزويج النبي صلّى الله عليه وسلّم خديجة وفضلها رضي الله عنها.