للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن موسى بن عقبة والحافظ البيهقي رويا هذا، والمسلمون قد قاتلوا المشركين على تأويله، كما قاتلوهم على ما أوجبه التنزيل «١» .

ودخل المسلمون المسجد الحرام ليطوفوا بالبيت، وكان المشركون قد أرجفوا وقالوا: إنه يقدم عليكم وفد وهنتهم حمّى يثرب، وتطلعوا من رؤوس الجبال ليروا الذين أضعفتهم الحمى والغربة، فلما علم النبي بهذه المقالة اضطبع بردائه وصار يهرول «٢» ، وأمر المسلمين أن يضطبعوا ويهرولوا وقال: «رحم الله امرأ أراهم اليوم من نفسه قوة» فكان إذا استلم الحجر الأسود هرول وهرولوا، حتى إذا استلم الركن اليماني وواراه البيت منهم مشى ومشوا حتى يستلم الركن عند الحجر الأسود، هكذا فعل الأشواط الثلاثة الأولى ومشى في الأربعة الباقية، ولولا الرحمة بهم، والإشفاق عليهم لهرول بهم الأشواط كلها.

وبعد الطواف وصلاة ركعتين عند مقام إبراهيم سعوا بين الصفا والمروة، ثم حلقوا وذبحوا هداهم، وبذلك تمت عمرتهم. ورأى المشركون هذا المشهد المؤثر المعبّر فخاب ظنهم، ولم يكتموا ما بأنفسهم، فقالوا: ما يرضون بالمشي، أما إنهم لينفرون نفر الظباء، وازدادوا كمدا إلى كمد.

[إقامة النبي بمكة]

ومكث النبي والمسلمون بمكة ثلاثة أيام، يطوفون بالبيت ويصلون، ويعبون من ماء زمزم، وقد قضوا بعض حاجات النفس المشوقة إلى بيت الله


(١) البداية والنهاية، ج ٤ ص ٢٢٨؛ فتح الباري، ج ٧ ص ٤٠٢.
(٢) الاضطباع: أن يضع منتصف إزاره تحت إبطه اليمنى، ثم يطرح طرفه على كتفه اليسرى. والهرولة فوق المشي العادي، ودون الجري مع تقارب الخطا وهز الكتفين، وهي مشية تنم عن القوة والفتوة، وهذا أصل هذه السنة، ثم أبقاها الشارع لما فيها من التذكير بنعمة الله على المسلمين حيث أعزهم بعد ذلة، وقواهم بعد ضعف، ونصرهم ومكن لهم في الأرض بعد ضيعة، وقد ذكر المرحوم الشيخ الخضري في سيرته: أن النبي طاف بالبيت وهو على ناقته، واستلم الركن بمحجن في يده، وهذا ليس بصحيح، وإنما كان ذلك في حجة الوداع، وهذا الذي ذكرناه هو ما ذكره ابن إسحاق وثبت في الأحاديث الصحاح.

<<  <  ج: ص:  >  >>