للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وسجد من خلفه إلا رجلا رأيته أخذ كفا من تراب فسجد عليه، فرأيته بعد ذلك قتل كافرا» «١» ، فقد اقتصر البخاري على هذا الجزء الصحيح من القصة، وهو لا يدل على ما زادوه، أما سجود المسلمين فاتّباعا لأمر الله، وائتساء برسول الله، وأما سجود المشركين؛ فلما سمعوه من أسرار البلاغة الفائقة، والفصاحة البالغة، وعيون الكلم الجوامع لأنواع من الوعيد والإنكار، والتهديد والإنذار، وقد كان العربي يسمع القران فيخر له ساجدا، وقد حدثناك عن بعض اثار القران في نفوس المنكرين فضلا عن المصادقين، هذا إلى ما فيه من موافقة الجماعة، والشخص إذا كان في جماعة يندفع إلى موافقتها من غير ما شعور، وقد يكون الأمر على خلاف ما يهوى ويريد، كما تدل على ذلك قواعد علم النفس.

[اللغة تنكر القصة أيضا]

ومما يدل على افتعال القصة أيضا ما ذكره الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده في رد هذه الفرية: وهو أن وصف العرب لالهتهم «بالغرانيق» لم يرد لا في نظمهم ولا في خطبهم، ولم ينقل عن أحد أن ذلك الوصف كان جاريا على ألسنتهم إلا ما جاء في «معجم ياقوت» من غير سند، ولا معروف بطريق صحيح، والذي تعرفه اللغة أن الغرنوق، والغرنوق، والغرنيق، والغرنيق اسم لطائر مائي أسود أو أبيض، ومن معانيه الشاب الأبيض الجميل، ويطلق على غير ذلك «٢» ، ولا شيء من معانيه اللغوية يلائم معنى الإلهية والأصنام حتى يطلق عليهما في فصيح الكلام الذي يعرض على أمراء الفصاحة والبيان.

[تأويل المثبتين للقصة لها]

وقد حكمت الصنعة الحديثية والقواعد الاصطلاحية على بعض العلماء كالحافظ ابن حجر ومن تبعه كالسيوطي وغيره على أن يقول إن القصة، وإن لم تكن كل طرقها صحيحة، لكن كثرة الطرق تدل على أن لها أصلا، وأوّلوها


(١) صحيح البخاري- كتاب التفسير- باب سورة «والنجم» .
(٢) انظر القاموس مادة «غرنوق» .

<<  <  ج: ص:  >  >>