للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنفسكم وأموالكم. فأبوا، فتراموا بالنبل، ثم أمر رسول الله المسلمين فحملوا حملة رجل واحد، فقتل منهم عشرة، وأسر سائرهم، ولم يقتل من المسلمين إلا هشام بن صبابة، قتله أحد الأنصار خطأ ظنا أنه من الأعداء، وقد غنم المسلمون غنائم كثيرة: ألفي بعير، وخمسة الاف شاة، هذا عدا السبايا من النساء والأسارى من الرجال، وكان شعار المسلمين يوم المريسيع (يا منصور:

أمت أمت) .

[تصرف نبوي حكيم]

وكان بنو المصطلق من أعز العرب دارأ وأشرفهم نسبا، وأسر نسائهم على هذه الحال مما يترك في نفوسهم ونفوس حلفائهم جراحا لا تندمل، وحزازات لا تنسى، والعربي يهون عليه المال مهما غلا، ولكن لا يهون عليه أن ينال في عرضه، أو تخدش كرامته وشرفه، لذلك لم يرتح قلب النبي الكبير لما تمّ من سبي واسترقاق، وفكر ثم فكر، حتى تفتّق العقل الكبير عن هذا التصرف الحكيم.

فقد كانت من السبايا يومئذ جويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق، وقد وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شمّاس، أو لابن عم له، فكاتبته على نفسها، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه، وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك، فوقعت في السهم لثابت بن قيس أو لابن عم له فكاتبته «١» على نفسي، فجئت أستعينك على كتابتي.


(١) أي على أن يعتقها نظير مال، وروي أن النبي لم يجعلها في سهم أحد تكرمة لها حتى قدم أبوها بعد في فدائها بإبل، فلما بلغ العقيق غيّب بعيرين من الفداء ضنّا بهما، فلما قدم على الرسول قال له: «أين البعيران اللذان غيبتهما في شعب كذا» ؟ فلم يملك الرجل نفسه أن شهد شهادة الحق وقال: والله ما اطلع على ذلك إلا الله، وأسلم معه ابنان له وناس من قومه، وأرسل في طلب البعيرين فدفع الإبل، وسلمت إليه ابنته، فأسلمت فخطبها رسول الله من أبيها فزوجه إياها، وأيا كان الأمر فقد منّ الصحابة على من بأيديهم من قومها لمصاهرة رسول الله فيهم. سيرة ابن هشام ج ٢ ص ٢٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>