لمّا حرّض النبي المؤمنين على القتال، واستحث عزائمهم، لم ينس وصيته بأناس خرجوا مكرهين إلى القتال بحكم العصبية الجاهلية، وكانت لهم مواقف مشكورة في منع النبي وحمايته، أو مساع حميدة في ردّ الظلم والطغيان، فقال لأصحابه يومئذ:«إني قد عرفت رجالا من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا مكرهين، لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي منكم أحدا من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي أبا البختري بن هشام بن الحارث بن أسد فلا يقتله، ومن لقي العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يقتله، فإنه إنما خرج مستكرها» .
ولا تحسبنّ أن الرسول بهذه الوصاة أراد أن يحابي أهله وذوي قرباه، فقد كانت نفسه الشريفة أسمى من ذلك وأرفع، وإنما ذكر لبني هاشم منعهم له ثلاثة عشر عاما، وانحيازهم لأجله في الشّعب ثلاثة أعوام حتى جاهدوا وأكلوا ورق الشجر، وذكر لعمه العباس موقفه المشرّف في بيعة العقبة الثانية وقوله للأنصار:(إن محمدا لا يزال في عزة ومنعة من قومه) ، وذكر لأبي البختري أنه كان له ضلع كبير في نقض الصحيفة الظالمة، وهي حسنات لا ينساها الإسلام قط، وقد كان من خلق رسول الله أن يردّ الجميل بخير منه، وليس أدل على ذلك من أن أبا البختري ليس من بني هاشم، ولا تربطه بالنبي قرابة قريبة، وإنما هو السمو الخلقي والإنساني.
وفي ثورة من الحمية والغضب بدرت بادرة من رجل من خيار المسلمين وهو أبو حذيفة بن عتبة، فقال:(أنقتل اباءنا وأبناءنا وإخواننا ونترك العباس؟
والله لئن لقيته لألحمنّه «١» بالسيف) ، فبلغت مقالته رسول الله فقال لعمر:
«يا أبا حفص أيضرب وجه عمّ رسول الله بالسيف» ، فقال عمر: يا رسول الله دعني فلأضرب عنقه بالسيف، فو الله لقد نافق، ولكن الرسول أبى وغفر له ما بدر بحسن نية وصدق وإيمان.