للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإمداد، وقالوا: إن الخطاب في قوله سبحانه: فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ.. إنما هو حكاية لما أمر الله الملائكة أن يلقوه إلى المسلمين يوم بدر «١» .

والذي نراه- والله أعلم- أن الإمداد بالملائكة حصل قطعا لتكثير العدد، وتثبيت القلوب، وإلقاء البشرى، وأن بعضهم قاتل لا كلّهم، وأن الجهد الأكبر في القتال إنما هو للمسلمين، وبذلك لا نكون تعسّفنا في التأويل، وخرجنا عن ظواهر بعض الايات بغير داع، ولا نرد الأحاديث الصحيحة الدالّة على حصول قتال من بعض الملائكة، والحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

وقد يقول قائل: إن صيحة من جبريل أو انتفاضة منه كانت تكفي للقضاء على قريش وإبادتها في لمحة عين، فلم كل هؤلاء الملائكة؟.

وجوابنا عن ذلك أن الله جرت سنته مع الأمة المحمدية ألايأخذها بما أخذ به الأمم السابقة من عموم العذاب والاستئصال، وترك إهلاكهم للسنن العادية التي أجراها الله في عباده، بدفع الكافرين بالمؤمنين، والمبطلين بأهل الحق، والظالمين بالعادلين، فأراد الله سبحانه أن يكون هلاك الكفار بأيدي المؤمنين، ليكون ذلك أنكى لقريش، وأذلّ لها، وأشفى لنفوس المؤمنين، وفي الوقت ذاته أمدّهم بالملائكة تثبت وتؤيد، وتبشّر وتخوف، وتكثر العدد، ولا حرج أن يشارك البعض في القتال كما ذكرنا، وقد أشار الحق إلى هذه الحكمة في قوله:

قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ. وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ.

إلى قوله:

وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ «٢» .


(١) البداية والنهاية ج ٣ ص ٢٧٩- ٢٨١.
(٢) سورة التوبة: الايات ١٤- ١٦. انظر تفسير ابن كثير والبغوي.

<<  <  ج: ص:  >  >>