للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا كذبا، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت.

وأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ إلى قوله:

وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ «١» .

[وقفات عند هذه القصة]

وإن لنا في هذه القصة لعبرا وعظات وايات بينات، تدل على فضل الصحابة وما وصلوا إليه من سمو في الدين والأخلاق وتقدير للمعاني الروحية والقيم الأدبية، منها:

١- صدق الإيمان، وقوة اليقين، وحضور القلب، وكيف يسمو الإيمان بصاحبه حتى يرى السعادة الحقة الكاملة في رضوان الله ورسوله، والشقاوة كل الشقاوة في غضبهما وإنا لنلمس هذا في قول كعب: (حتى تنكرت لي الأرض، فما هي بالتي أعرف) . وفي بعض الروايات: (تنكرت لنا الحيطان، وتنكر لنا الناس، حتى ما هم الذي نعرف) . وهذا المعنى يجده الحزين والمهموم في كل شيء، حتى قد يجده في نفسه فينكرها، بل نلمس هذا المعنى بصورة أكبر في قول الله عنهم: وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ.

والإنسان قد تضيق به الأرض من سوء من يجاوره أو لعدم وجود من يشاكله، ومع هذا فيكون في اطمئنان من قلبه، ورضى من نفسه، ورحابة من صدره، ولكن أضيق الضيق أن تضيق بالإنسان نفسه، وحينئذ تصير الحياة مهما أحيطت بمظاهر النعيم جحيما لا تطاق، ويكون الموت خيرا من الحياة، وهذا يدل على مبلغ ما كان يتمتاع به هؤلاء الثلاثة من قلوب متيقظة ونفوس شفافة وضمائر حية.

٢- إن المقاطعة والهجر كان نوعا من أنواع التأديب والزجر في صدر الإسلام، وقد أثمر هذا اللون من التأديب ثمرته ووصل بهم إلى هذه الخاتمة السعيدة الموفقة، وإن أضر شيء على أي مجتمع أن يجد فيه أهل الفسق


(١) سورة التوبة: الايات ١١٧- ١١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>