للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر، قال كعب: فجاءت امرأة هلال بن أمية إلى رسول الله فقالت: يا رسول الله، إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه قال:

«لا، ولكن لا يقربك» فقالت: إنه والله ما به حركة إلى شيء، والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومنا ...

قال: فلبثت بعد ذلك عشر ليال وأنا على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله عز وجل قد ضاقت عليّ نفسي، وضاقت عليّ الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع «١» يقول بأعلى صوته: يا كعب أبشر، فخررت ساجدا، وعرفت أن قد جاء فرج. واذن رسول الله بتوبة الله علينا حين صلّى صلاة الفجر، فذهب الناس يبشروننا، وذهب قبل صاحبيّ مبشرون، وركض رجل إليّ فرسا، وسعى ساع من أسلم فأوفى على الجبل، فكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبيّ فكسوته إياهما ببشراه، والله ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلقّاني الناس فوجا فوجا يهنئونني بالتوبة يقولون: ليهنك توبة الله عليك، حتى دخلت المسجد فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس، فقام إليّ طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني، والله ما قام إليّ رجل من المهاجرين غيره، ولا أنساها لطلحة، فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال- وهو يبرق وجهه من السرور-: «أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك» قلت: يا رسول الله إنّ من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله، فقال: «أمسك عليك بعض مالك فهو خير» قلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر.

وقلت: يا رسول الله إنما نجّاني الله بالصدق، وإن من توبتي ألا أتحدث إلا صدقا ما بقيت، فو الله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله أحسن مما أبلاني، ما تعمدت منذ ذكرت ذلك


(١) بفتح السين وسكون اللام.

<<  <  ج: ص:  >  >>