للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فخرجوا حتى أتوهم فوجدوا أن الخبر صحيح، ووقعوا في رسول الله ونالوا منه، فجعل سعد بن معاذ يشاتمهم فأغضبوه، فقال له سعد بن عبادة: دع عنك مشاتمتهم، فما بيننا وبينهم أعظم من المشاتمة، ثم أقبل السعدان ومن معهما فقالوا: عضل والقارة، أي غدر كغدرهم بأصحاب سرية الرجيع، فقال رسول الله: «الله أكبر، أبشروا يا معشر المسلمين» ، ثم تقنّع بثوبه واضطجع، ومكث طويلا، فعرفوا أنه لم يأته خير عن بني قريظة، ثم رفع رأسه وقال:

«أبشروا بفتح الله ونصره» .

[اشتداد البلاء والخوف]

وعظم البلاء على المسلمين، واشتد الخوف، فقد أتاهم العدو من فوقهم، ومن أسفل منهم، وتنوعت الظنون، وكثرت الهواجس، فأما المؤمنون المخلصون فازدادوا إيمانا، وأيقنوا أن نصر الله لابدّ أن يكون، وأما المنافقون وضعفاء الإيمان فقد كشفوا عن خبيئة نفوسهم حتى قال بعضهم: كان محمد يعدنا كنوز كسرى وقيصر وأحدنا لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط!!

وعزم البعض على الرجوع إلى المدينة، وتعلّل بعضهم بأن بيوتهم مكشوفة غير محصّنة، واستأذنوا النبي ورجعوا، وهكذا استحكم البلاء، ولاح الشر من كل مكان. ولن تجد أدق في تصوير هذه الحالة من قوله سبحانه:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً. إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا. هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً. وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ... الايات «١» .

وقد اضطر الرسول وقد نقضت قريظة العهد أن يرسل مسلمة بن أسلم في مائتين، وزيد بن حارثة في ثلاثمائة لحراسة المدينة خوفا على النساء والذراري


(١) سورة الأحزاب: الاية ٩ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>