للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الحق أن المحدثين في باب التحليل، والتعليق، والموازنة بين المواقف قد أربوا في ذلك على المتقدمين، وأكسبوا السيرة جدّة ورواء، وقد تفاوتوا في ذلك على حسب تفاوتهم في المواهب، وسعة العلم والأفق، والاطلاع على سير الاخرين.

٦- النبوة شيء، والعبقرية شيء اخر.

وقد حرصت حينما فكرت في عنوان لهذا الكتاب ألاأتكلّف، فسميته «بالسيرة» «١» ، وهو اللفظ الذي اختاره قدماء المؤلفين في السير، وقدماء الفقهاء حتى صار عرفا إذا ذكر اسم السيرة ألاينصرف إلا إلى سيرة النبي صلّى الله عليه وسلّم، أو سير أصحابه الكرام رضوان الله عليهم. وقد أضفت «في ضوء القران والسنّة» لأن طبيعة البحث والمنحى تقتضي ذلك، ولم أرتض أن أجعل العنوان «العبقرية» «٢» وكذلك حرصت حينما كتبت في هذه السيرة، وحلّلت المواقف، وعلّقت عليها على ألاأصف النبي بالعبقرية، كما صنع مؤلفو «العبقريات» أو الزعامة السياسية، أو القيادة الحربية كما صنع الذين ألّفوا في الزعامات والقيادات، أو أعدّ النبي بطلا فحسب كما صنع «كارليل» في كتابه «الأبطال» أو «رسول الحرية» ، كما فعل بعض الكاتبين، إلى غير ذلك مما افتنّ فيه المؤلفون؛ لأني أؤمن عن يقين وعلم أنه صلّى الله عليه وسلّم فوق هؤلاء جميعا، إنه النبي والرسول، وكفى!!


(١) قال في المصباح المنير: «والسيرة: الطريقة، وسار في الناس سيرة حسنة أو قبيحة. والجمع سير مثل سدرة وسدر، وغلب اسم السير في ألسنة الفقهاء، على المغازي، والسيرة أيضا، الهيئة والحالة» .
(٢) العبقرية نسبة إلى عبقر، أرض تزعم العرب أنها تسكنها الجن، ضرب بها العرب المثل لكل شيء عجيب عظيم، وقيل: قرية تصنع بها الثياب والبسط الفاخرة، فنسبوا إليها كل أمر عجيب، وكل شيء فاخر. وفي الكتاب الكريم: مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ، وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ جيد البسط وفاخرها، ويطلق العبقري أيضا على سيد القوم، وقيمهم، وأعقلهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>