وخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى خطبة أخرى أوسط أيام التشريق وهو يوم النفر الأول، روى الحافظان البزار والبيهقي بسندهما عن ابن عمر قال: نزلت هذه السورة: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ في أوسط أيام التشريق، فعرف رسول الله أنه الوداع، فأمر براحلته القصواء فرحّلت، ثم ذكر خطبته في هذا اليوم، وهي تأكيد لبعض ما جاء في خطبتي عرفة، ويوم النحر «١» .
وفي الحق أن تكرار الخطب في حجة الوداع كان أمرا لابد منه، فهي الحجة الوحيدة التي حجّها الرسول، وقد عزّ فيها الإسلام والمسلمون، وأصبحت كلمتهم هي النافذة في الجزيرة العربية، كما كانت الوداع الأخير، فما أشد حاجة المسلمين في هذا المشهد العظيم الفذ إلى التذكير والنصح والتوصية، وإلى تكرار القول والتأكيد عليه حتى يعوه ويحفظوه ولا ينسوه، وإلى تقريرهم بإبلاغ الرسالة، وأداء الأمانة، وإشهاد الله عليهم، حتى تقوم عليهم الحجة، وتنقطع المعذرة، وقد روي أيضا أن النبي خطبهم أيضا بمكة في اليوم السابع، والظاهر أنها كانت لتعليمهم المناسك والمشاعر.
[فائدة]
كان يقال لليوم السابع من ذي الحجة يوم الزينة، لأنه يزين فيه البدن التي تهدى بالجلال وغيرها. واليوم الثامن يقال له: يوم التروية لأنهم كانوا يروون فيه إبلهم من الماء، ويحملون منه ما يحتاجون إليه حال الوقوف وما بعده، لأن هذه الأماكن لم يكن فيها يومئذ ابار ولا عيون، أما الان ففيها الماء الكثير والحمد لله. واليوم التاسع: يوم عرفة للوقوف فيه بها. واليوم العاشر: يوم النحر ويوم الأضحى ويوم الحج الأكبر. واليوم الحادي عشر: يوم القر لأنهم يقرون فيه، ويقال له: يوم الرؤوس لأنهم يأكلون فيه رؤوس الأضاحي، وهو أول أيام التشريق. وثاني أيام التشريق يقال له: يوم النّفر الأول لجواز