للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقالت: والله ما يبلغ بني ذلك أن يجير بين الناس، وما يجير أحد على النبي صلى الله عليه وسلم «١» فقال: يا أبا الحسن إني أرى الأمور قد اشتدت علي فانصحني، فقال علي: والله ما أعلم لك شيئا يغني عنك شيئا، ولكنك سيد بني كنانة، فقم فأجر بين الناس ثم الحق بأرضك، فقال: أو ترى ذلك مغنيا عني شيئا؟ فقال:

لا والله، ولكن لا أجد لك غير ذلك، فقام أبو سفيان فقال: إني قد أجرت بين الناس، ثم ركب بعيره وعاد من حيث أتى، فلما قدم على قريش أخبرهم بما كان وإجارته بين الناس، فقالوا له: هل أجاز ذلك محمد؟ قال: لا، قالوا: ويحك ما زاد الرجل على أن لعب بك فما يغني عنا ما قلت.

[تجهز النبي للخروج]

ولم يلبث رسول الله أن أخذ التجهز للخروج إلى مكة، وأذّن في الناس بالتجهيز، وأخفى مقصده إلا عن بعض خاصته كالصدّيق، وكان غرض رسول الله أن يبغت قريشا في عقر دارها من غير أن تأخذ أهبتها، حرصا أن لا تراق الدماء في بلد الله الحرام، فلما تجمعت الجموع وتهيأت للمسير أخبرهم بمقصده وقال: «اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها» .

[كتاب حاطب إلى قريش]

ولما أجمع صلى الله عليه وسلم المسير إلى مكة كتب حاطب بن أبي بلتعة كتابا يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله، ثم أعطاه مولاة لبعض بني عبد المطلب تسمى سارة، وجعل لها جعلا على أن تبلّغه قريشا، فجعلته في عقاص شعرها، ثم خرجت به، فإذا الوحي ينزل على رسول الله بما صنع حاطب، فبعث عليا والزبير والمقداد وقال: «انطلقوا حتى تأتوا (روضة خاخ) فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها» . فانطلقوا تتعادى بهم خيلهم حتى أدركوها، فقالوا لها أخرجي الكتاب، فقالت: ليس معي كتاب، فقالوا لها: لتخرجنّ الكتاب، أو لنكشفنّ


(١) لا مخالفة بين هذا وقوله عليه الصلاة والسلام: (ويجير على المسلمين أدناهم) لأن المراد بالثاني من يجير واحدا ونفرا يسيرا، وأما قول السيدة فاطمة فالمراد به الإجارة العامة أي لا يمنع أحد الإمام من غزوه قوما.

<<  <  ج: ص:  >  >>