للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ربيع الأول، فقد أمر أن يستغفر لأهل البقيع، فانطلق ومعه مولاه أبو مويهبة فقال:

«السلام عليكم يا أهل المقابر، ليهنىء لكم ما أنتم فيه مما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع اخرها أولها» ثم أقبل على أبي مويهبة قائلا:

«إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلود فيها ثم الجنة، فخيّرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة» فقال أبو مويهبة: بأبي أنت وأمي فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها، ثم الجنة، قال: «لا والله يا أبا مويهبة، لقد اخترت لقاء ربي والجنة» ، ثم استغفر لأهل البقيع وانصرف.

وقد بدأ به وجعه فدخل على عائشة فوجدها تشتكي صداعا وتقول:

وا رأساه. فقال: «بل أنا- والله- يا عائشة وا رأساه» ، ثم قال مداعبا لها:

«وما عليك لو متّ قبلي، فقمت عليك، وكفّنتك، وصليت عليك، ودفنتك؟» وأثارت الكلمة الغيرة في نفسها، فقالت: والله لكأني بك لو قد فعلت ذلك لقد رجعت إلى بيتي فأعرست فيه بإحدى نسائك، فسكت الرسول واعتبرها مداعبة بمداعبة.

[اشتداد المرض]

وكان رسول الله يطوف على نسائه، كما هو شأنه في تعهدهنّ، ورعاية غاية العدل بينهن، فاشتدّ به المرض وهو في بيت السيدة ميمونة، فدعا نساءه واستأذنهنّ أن يمرّض في بيت السيدة عائشة فأذنّ له، فخرج بين عمه العباس وابن عمه علي تخط رجلاه الأرض، حتى أتى بيتها.

وكان يعوده أهله وأزواجه، وهو ببيت عائشة، وفي ذات يوم زارته ابنته فاطمة فرحب بها وأجلسها بجانبه، ثم أسر إليها شيئا فبكت، ثم سارّها ثانيا فضحكت، فسألتها عائشة عن السر، فأجابت بأنه سر، ثم أخبرت فيما بعد أن النبي أعلمها بقرب انتهاء أجله، وأمرها بالتقوى والصبر فبكت. ثم أخبرها أنها أول أهله لحوقا به، وأنها سيدة نساء أهل الجنة فضحكت «١» .


(١) صحيح البخاري- باب علامات النبوة- وباب مرض النبي ووفاته.

<<  <  ج: ص:  >  >>