أما اليهودية فقد كانت بخيبر وما جاورها، ويثرب (المدينة) وفي بلاد اليمن. وفي الحق أن اليهودية لم تجد قبولا ولا انتشارا في بلاد العرب، ولعل ذلك لأن اليهود يزعمون أنهم شعب الله المختار، فلذلك لم يقبل العربي أن يدخل دينا يجعله في طبقة دنيا عن طبقة دعاة هذا الدين، وأيضا فقد كانوا لا يهمهم نشر دينهم، بقدر ما يهمهم جمع الأموال، هذا إلى أن أخلاقهم التي كانوا يتصفون بها من اللؤم، والغدر، والخيانة، والحرص والشره إلى المال، والتي تعتبر على الضد من أخلاق العرب- زهّدت العرب في دينهم، والانتظام في سلكهم وجماعتهم.
أما النصرانية فكانت منتشرة بنجران شمال اليمن، وطبيعي أنها جاءت من الحبشة، وفي شمال الجزيرة في دولة الغساسنة، وقد كانت وثيقة الصلة بالروم، فمن ثم انتشرت فيها النصرانية أكثر من غيرها، وفي الحيرة فقد تنصر معظم الأسرة المالكة، وقد ذكر ياقوت في «معجم البلدان» أنه كان بالحيرة بيعة «١» - كنيسة- وأنها من أقدم الكنائس ببلاد العرب، وقد ذكر أنه كان على واجهتها كتابة نصها:«بنت هذه الكنيسة هند أمة المسيح، وأم عبده» وفي غير هذه الأقاليم لا تجد أثرا يذكر للنصرانية.
والسبب في عدم انتشار النصرانية في بلاد العرب التعقيدات التي فيها ولا سيما في باب الألوهية، فإنها لا يقبلها العقل العربي، والأمور التي يزعم القسس أنها من الأسرار، وطبيعة العربي تأبى ذلك أيضا.
(١) البيعة- بكسر الباء- متعبد النصارى، وتجمع على بيع بكسر الباء وفتح الياء.