للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثياب، فخافت وأخرجته من عقاصها، فأتوا به إلى النبي فإذا فيه: «يا معشر قريش فإن رسول الله جاءكم بجيش كالليل، يسير كالسيل. فو الله لو جاءكم واحده لنصره الله، وأنجز له وعده، فانظروا لأنفسكم، والسلام» «١» .

فقال النبي: «يا حاطب ما هذا؟» فقال: يا رسول الله لا تعجل علي، إني كنت امرأ ملصقا في قريش- يعني حليفا ولم يكن من أنفسها- وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي بها، ولم أفعله ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام، فقال الرسول العظيم: «أما إنه قد صدقكم» .

فقال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال الرسول:

«إنه قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله قد اطّلع على من شهد بدرا فقال:

اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» ، فبكى عمر وقال: الله ورسوله أعلم!! فأنزل الله هذا التأديب الإلهي وهو صدر سورة الممتحنة:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ إلى قوله سبحانه:

فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ «٢» .

[العظيم من يرحم الضعفاء]

وإن لنا هنا لوقفة، فما كان حاطب منافقا، ولا ضعيف الإيمان، بتزكية الرسول له. ولكن في النفس الإنسانية جوانب ضعف تطغى عليها في بعض الأحيان، وتهوي بها إلى ما لا ترضاه لنفسها، وكل بني ادم خطّاء، وما كان هذا الضعف الإنساني ليخفى على صاحب القلب الكبير، والقوي الأمين صاحب الخلق العظيم، فلا تعجب إذا كان الرسول صدّقه فيما قال، ورحم ضعفه،


(١) فتح الباري ج ٨ ص ٤٢٠.
(٢) سورة الممتحنة: الاية ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>