لما أبرم صلح الحديبية كان من شروط الصلح أن من أحب أن يدخل في عهد النبي فليدخل، ومن أحب أن يدخل في عهد قريش فليفعل، فدخلت خزاعة في عهد رسول الله، ودخلت بنو بكر في عهد قريش، وقد مضى على الصلح قرابة عامين ولم يحدث من المسلمين ما يخل بالعهد، وقد حدث بعد مؤتة أن خيّل إلى قريش أن المسلمين قد ضعفوا وزالت هيبتهم، وخيّل إلى بني بكر أن ينالوا من خزاعة أحلاف الرسول، وقد كان بين بني بكر وخزاعة ثارات في الجاهلية ودماء، فبيّت بنو بكر خزاعة وهم على ماء يسمى (الوتير) وأصابوا منهم، وأعانتهم قريش بالرجال والسلاح تحت جنح الليل، وما زالوا يقاتلونهم حتى ألجؤوهم إلى الحرم، ولجأت خزاعة إلى دار بديل بن ورقاء، ومولى لهم يسمى أبا رافع.
فركب عمرو بن سالم إلى رسول الله بالمدينة يخبره بغدر قريش وإخلافهم العهد، ولما وقف على النبي أنشده أبياتا منها:
يا ربّ إني ناشد محمدا ... حلف أبيه وأبينا الأتلدا
فانصر رسول الله نصرا أعتدا «١» ... وادع عباد الله يأتوا مددا
في فيلق كالبحر يجري مزبدا ... إنّ قريشا أخلفوك الموعدا