للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحمامة «١» أم بلال بن رباح كانت تعذب في الله، وجارية بني المؤمل «٢» وهم من بني عدي بن كعب، وكانت قد أسلمت، فكان عمر بن الخطاب يعذبها ويضربها حتى إذا ملّ قال: إني أعتذر إليك بأني لم أتركك إلا ملالة!! فتقول:

كذلك فعل الله بك.

والنهدية وابنتها، وكانتا لامرأة من بني عبد الدار «٣» .

ولعلك- أيها القارىء الكريم- امنت معي بعد ما سمعت هذه النماذج البشرية العالية أن التاريخ لا يكاد يعرف قوما استعذبوا العذاب في سبيل الإيمان والعقيدة، وهانت عليهم نفوسهم في الله مثل ما عرف ذلك لأصحاب خاتم الأنبياء محمد، وأني لم أكن مسرفا، ولا مبالغا حينما قلت هذا القول، وأن هؤلاء الرجال والنساء خطّوا صحائف مشرقة في تاريخ الإيمان، والبطولة، والتضحية.

فلله هذه النفوس المؤمنة، ما أزكاها، وما أشرفها، وما أخلدها على الدهر.

[واهب الحريات]

أما واهب الحريات ومحرر العبيد فهو شيخ الإسلام الوقور، الذي عرف بين قومه بأنه يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب «٤» الحق، لم ينغمس في إثم في جاهليته، أليف مألوف، يسيل قلبه رقة ورحمة على الضعفاء والأرقاء، أنفق جزا كبيرا من ماله في شراء العبيد، وعتقهم لله وفي الله، قبل أن تنزل التشريعات الإسلامية المحببة في العتق، والواعدة عليه أجزل الثواب، ذلكم المحرر للعبيد هو صدّيق هذه


(١) بفتح الحاء المهملة، وتخفيف الميم.
(٢) قال في الإصابة: وردت في غالب الروايات غير مسماة، وسماها البلاذري لبينة بضم اللام ومواحدة تصغير لبنة.
(٣) سيرة ابن هشام، ج ١ ص ٣١٧- ٣٢٠؛ شرح المواهب، ج ١ ص ٣٢٠- ٣٢٥.
(٤) هكذا وصف ابن الدغنّة سيد قبيلة القارة أبا بكر- رضي الله عنه- ومن قبل وصفت السيدة الجليلة المهيبة خديجة رسول الله بهذه الأوصاف، فانظر يا قارئي كيف تطابق وصف الصادق، ووصف الصديق.

<<  <  ج: ص:  >  >>