وأما ابن عمتي فهو الذي قال بمكة ما قال» ، فلما بلغهما ذلك كان مع أبي سفيان بنيّ له فقال: والله ليأذننّ لي، أو لاخذن بيد بني هذا، ثم لنذهبنّ في الأرض حتى نموت عطشا وجوعا، فلما بلغ النبي ذلك رقّ لهما، فدخلا عليه وأسلما.
[تخوف العباس على قريش]
ورأى العباس علو نجم ابن أخيه وقوته، وأحسّ منزلة النبي في قلوب هذه الالاف المؤمنة التي لا يقدر على أن يصدها عن غايتها صاد، والتي لا قبل لمكة ولا لغيرها بهم، فقال: واصباح قريش، والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه إنه لهلاك قريش إلى اخر الدهر، فركب بغلة رسول الله البيضاء وذهب ناحية الأراك عسى أن يجد حطّابا أو صاحب لبن أو ذا حاجة ذاهبا إلى مكة فيخبرهم بمكان رسول الله حتى يخرجوا إليه فيستأمنوه، فكان أن التقى بأبي سفيان وصحبه.
[أبو سفيان يستطلع الأخبار لقريش]
ها هو رسول الله والجيش قد وصل إلى مر الظهران «١» ، وقد عميت الأخبار عن قريش لا يأتيهم خبر عنه، ولا يدرون ما هو فاعل بهم، وبينما هم في حيرة من أمرهم خرج أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء يستطلعون الأمر لقريش، وكان رسول الله قد أمر أصحابه أن يوقدوا نارا فأوقدوا عشرة الاف نار، حتى كانوا قريبا من مرّ الظهران رأوا نيرانا كنيران الحجيج في عرفة، فقال أبو سفيان ما رأيت كالليلة نيرانا قط ولا عسكرا!!، فقال بديل: هذه والله خزاعة، فقال أبو سفيان: خزاعة أذلّ وأقلّ من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها.
وبينما هما يتحاوران عرف العباس صوت أبي سفيان، فقال: أبا حنظلة! وأجاب أبو سفيان: أبا الفضل! فقال العباس: ويحك يا أبا سفيان، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجيش، فقال أبو سفيان: فما الحيلة فداك أبي وأمي؟ فقال العباس: فاركب في عجز هذه البغلة حتى اتي بك رسول الله فأستأمنه لك،
(١) قرية بالقرب من مكة بوادي الظهران يقال لها اليوم: وادي فاطمة.