واعترض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يطوف بالكعبة الأسود بن المطلب بن أسد ابن عبد العزّى، والوليد بن المغيرة، وأمية بن خلف، والعاص بن وائل السهمي، وكانوا ذوي أسنان في قومهم، فقالوا:(يا محمد، هلمّ فلنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبد، فنشترك نحن وأنت في الأمر، فإن كان الذي تعبد خيرا مما نعبد كنا قد أخذنا بحظنا منه، وإن كان ما نعبد خيرا مما تعبد كنت قد أخذت بحظك منه) .
وهو عرض خبيث ماكر يدل على حيلة واسعة، ولباقة في حسن العرض، وهو يدل على ما كان يتمتاع به القوم من ذكاء، وفطنة، وعقل، ولكن حجبتها العقائد الموروثة، والأوهام الفاسدة، والتقليد لما عليه الاباء، عن الإذعان للحق والخضوع له.
وما كانت هذه الحيلة الماكرة لتجوز على النبي، فقد رفضها واستنكرها، فأنزل الله سبحانه تأييسا لهم، وقطعا لأطماعهم:
قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١) لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (٢) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٣) وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (٤) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٥) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (٦)«١» .
[عود إلى سياسة الإيذاء والاستهزاء]
ولما رأى المشركون أن سياسة الإغراء والملاينة، والمجادلة، والمغالطة لم تجد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- وقد حدّثناك عن بعضها- عادوا إلى سياسة الإيذاء.
فمن ذلك ما كان يؤذي به رسول الله النّضر بن الحارث، وكان من شياطين قريش، وينصب لرسول الله بالعداوة، وكان من أمره ما ذكرنا فيما سبق
(١) النفي في الفقرتين الأوليين يتعلق بالزمن الحاضر، وفي الفقرتين الاخريين يتعلق بالمستقبل، وذلك لقطع أطماعهم فيه، في الحاضر، والمستقبل، ثم أكد النفي بقوله: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ.