أرسلا يتجسسان الأخبار فلم يرجعا إلا بعد انتهاء الحرب، وعثمان بن عفان لأن رسول الله كان خلفه على السيدة رقية ليمرضها.
وكذلك أسهم الرسول لمن استشهد ببدر، فأعطى ذلك لورثتهم وهم أربعة عشر مسلما: ستة من المهاجرين، منهم: عبيدة بن الحارث الذي جرح في المبارزة الأولى، ثم مات عند رجوع المسلمين من بدر ودفن «بالصفراء» ، وثمانية من الأنصار، وما فعله النبي هو غاية العدل والإنصاف، وقد سبق به إلى رعاية أسر الشهداء وذويهم وضمان عيشة كريمة لهم بعد وفاة عائليهم قبل أن يعرف العالم الحديث ذلك.
[الأوبة إلى المدينة]
ثم قفل المسلمون إلى المدينة شاكرين الله وحامدين، لا يزهيهم النصر، ولا يبطرهم الغلب، وقد سبقتهم البشرى بالنصر إلى المدينة وما جاورها، وكان مع رسول الله الأسرى، وكانوا نحوا من السبعين، وفي الطريق تحت سرحة عظيمة بالقرب من «الصفراء» قسم رسول الله الغنائم بين المسلمين على حسب ما أراه الله، ثم ارتحل حتى إذا كان بالرّوحاء لقيه المسلمون يهنئونه ومن معه من المسلمين بالفتح العظيم والنصر المبين، ودخل الجيش المنصور المدينة بين تهليل المهللين وتكبير المكبرين، وضرب الولائد بالدفوف، وترديد أهازيج النصر.
[وصاة النبي بالأسرى]
وصل الرسول المدينة قبل قدوم الأسارى بيوم، وكان قد فرقهم بين أصحابه وقال:«استوصوا بهم خيرا» . وهذا غاية الرحمة والإنسانية حيث أوصى بأناس طالما عذّبوه وأصحابه، وحاولوا فتنتهم عن دينهم، وقد نفّذ الصحابة وصية رسول الله بأمانة، وكانوا سمحاء كرماء معهم، فهذا أبو عزيز بن عمير أخو مصعب بن عمير يقول:(كنت في رهط الأنصار حين أقبلوا بي من بدر، فكانوا إذا قدّموا غداءهم وعشاءهم خصّوني بالخبز وأكلوا التمر، لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بنا، ما تقع في يد رجل منهم كسرة خبز إلا نفحني بها، فأستحيي فأردها، فيردها عليّ ما يمسها) .