وأما ادابه الاجتماعية فقد أوفى فيها على الغاية، وكان ادب الناس وأحسنهم عشرة، وألينهم عريكة، وأرعاهم لشعور الناس وكراماتهم، فقد كان دائم البشر، لا يطوي عن أحد من أصحابه بشره، ولا تبسمه، ويعطي كل جليس من جلسائه نصيبه من الترحاب والرعاية، حتى لا يظن أن أحدا أكرم عليه منه، من جالسه أو قاربه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه.
وكان أحسن الناس إجابة، ما دعاه أحد من أصحابه إلا قال: لبيك، وإذا حدّثه أحد مال إليه بأذنه، ولا ينحّي رأسه حتى يكون الرجل هو الذي ينحّي رأسه، وكان يبدأ من لقيه ولو صبيا بالسلام، ويبدأ أصحابه بالمصافحة، وما صافح أحدا فيرسل يده حتى يرسلها الرجل الاخر، ويكرم من يدخل عليه، وربما بسط له ثوبه، ويؤثره بالوسادة التي تحته، ويعزم عليه في الجلوس عليها ويكنّي أصحابه ويدعوهم بأحب أسمائهم تكرمة لهم، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يفرغ منه وكان لا يجلس إليه أحد يصلّي إلا خفف صلاته، وسأل عن حاجته، فإذا فرغ عاد إلى صلاته.
وكان يخدم ضيفه، ويكرم الوافد عليه، ولما قدم وفد النجاشي قام يخدمهم، فقال له أصحابه: إنا نكفيك هذا، فأبى وقال:«إنهم كانوا لإخواننا مكرمين» ، وكان يقبل الهدية، ويكافىء عليها، وما صنع معه أو مع أهله