ليلة حتى اشتد بهم الحال، وأيقنوا أن رسول الله غير منصرف عنهم حتى يناجزهم، فقال لهم كعب بن أسد: أرى أن تسلموا فقد استبان لكم أنه نبي مرسل، وأنه الذي بشر به كتابكم؛ فتأمنوا على دمائكم ونسائكم وأبنائكم وأموالكم، فأبوا، فقال لهم فلنقتل أبناءنا ونساءنا ونخرج إلى محمد مستميتين في القتال حتى يحكم الله بيننا وبينه، فإن نهلك لم نترك وراءنا شيئا نخشى عليه، وإن نغلب فلن نعدم النساء والأبناء، فأبوا، فقال: الليلة ليلة السبت، وعسى أن يكون محمد وأصحابه أمنونا فيها، فانزلوا لعلنا نصيب منهم غرّة، فأبوا وتخوفوا أن يعدوا في السبت فيصيبهم ما أصاب من قبلهم، فأعرض عنهم ورماهم بعدم الحزم.
[استشارتهم أبا لبابة]
فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن أرسل إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوف- وكانوا حلفاء الأوس- نستشيره في أمرنا، فأرسله الرسول إليهم، فلما رأوه قام إليه الرجال وجهش إليه النساء، وبكى الصبيان، فكأنه رقّ لهم، فقالوا: يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد؟ قال: نعم، وأشار بيده إلى حلقه، يعني الذبح، فاستشعر أبو لبابة أنه زل، وندم ندما تصوره هذه العبارة التي قالها: فو الله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله!!.
[توبة أبي لبابة]
فاستحيا أبو لبابة أن يقابل رسول الله وقال: والله لا أنظر في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحدث لله توبة نصوحا يعلمها الله من نفسي، وعاد إلى المدينة فربط نفسه إلى سارية من سواري المسجد النبوي- وكانت من جذوع النخل- وقال: لا أبرح مكاني حتى يتوب الله على ما صنعت، فلما علم الرسول الكريم قال:«لو جاءني لاستغفرت له، وإذ قد فعل هذا فلن أطلقه حتى يقضي الله فيه ما يشاء» .
وأقام على هذه الحال ست ليال أو أكثر تأتيه امرأته في وقت كل صلاة