للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(يا أيها الناس، نحن المهاجرين أول الناس إسلاما، وأكرمهم أحسابا، وأوسطهم دارا، وأحسنهم وجوها، وأكثرهم ولادة في العرب، وأمسهم رحما برسول الله، أسلمنا قبلكم، وقدّمنا في القران عليكم، فقال تبارك وتعالى:

وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ فنحن المهاجرون وأنتم الأنصار إخواننا في الدين، وشركاؤنا في الفيء، وأنصارنا على العدو، أما ما ذكر فيكم من خير فأنتم له أهل، فأما العرب فلن تعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، فمنا الأمراء ومنكم الوزراء) .

فقام أحد الأنصار فقال: أنا جذيلها المحكك «١» ، وعذيقها المرجب «٢» ، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش فكثر اللغط وارتفعت الأصوات.

[بيعة الصديق]

وفي هذا الموقف العاصف قام الفاروق- وكان جهوري الصوت- فقال:

ابسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعه. وقال: يا معشر الأنصار، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر أن يؤم الناس، فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر، ثم قام المهاجرون فبايعوا، ثم قام الأنصار فبايعوا، وهكذا وقى الله المسلمين شر الفرقة، وجمعهم على أفضلهم أبي بكر.

[البيعة العامة]

وفي اليوم الثاني غدا الصديق ومعه عمر والصحابة إلى المسجد النبوي ليبايع الناس المبايعة العامة، فصعد أبو بكر المنبر، وقام عمر خطيبا بين يديه، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: (أيها الناس، كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت ولا وجدتها في كتاب الله، ولا كانت عهدا عهدها إليّ رسول الله، ولكني كنت أرجو أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى يدبرنا- يكون اخرنا- فإن يك محمد قد مات فإن الله جعل بين أظهركم نورا تهتدون به، فاعتصموا به


(١) الجذيل: تصغير جذل، وهو عود يكون في وسط مبرك الإبل تحتك به وتستريح إليه. يضرب به المثل في الرجل يستشفى برأيه وتوجد عنده الراحة.
(٢) عذيق تصغير عذق، وهي النخلة. المرجب الذي تبنى إلى جانبه دعامة تسنده لكثرة حمله ونفاسته على أهله. يضرب به المثل للرجل الشريف المعظم في قومه، والذي يكثر خيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>