والذي نراه في هذه السرايا التي وقعت في السنة الأولى أنها كانت لمعاقبة المشركين، والحصول على ما يمكن الحصول عليه من تجاراتهم، نظير ما أخذوا من أموالهم وما ظلموهم، ولإضعاف شوكتهم، فإن المال عصب الحياة.
وأيضا فقد قصد بها إفهام قريش أن مصلحتهم تقتضيهم التفاهم مع المسلمين من أهليهم- الذين اضطروا إلى الفرار من مكة بسبب ما عانوا من الاضطهاد والإيذاء- تفاهما يقي الطرفين شرور العداوة والبغضاء، ويكفل للمسلمين حرية الدعوة إلى دينهم، وحرية الإعلان عن عقيدتهم، وحرية الدخول إلى الحرم لتأدية شعائرهم، كما يكفل لأهل مكة سلامة تجارتهم في طريقها إلى الشام، ولم يكن مثل هذا التفاهم ممكنا ما لم تقدّر قريش قوة المهاجرين من أبنائها على الإيقاع بها، وإيصاد طرق التجارة في وجهها.
ولا أرى أنها كانت للحرب، فقد كان القتال لم يشرع بعد، وذلك على حسب ما ترجّح في نظري من أن مشروعية القتال كانت في أوائل السنة الثانية على ما سأذكر، لأن الأعداد التي كان فيها المسلمون في سراياهم تلك لم تكن متكافئة مع أعداد المشركين، ولم تنقل الروايات أن النبي كان يوجههم للقتال، وإنما للقاء العير واعتراضها، وإن كان الاعتراض لا يسلم من المناوشة.
وقد رأى هذا الرأي من قبل الدكتور محمد حسين هيكل رحمه الله تعالى «١» ، وإن كنت أخالفه في اعتبار الغزوات التي كانت في السنة الثانية قبيل بدر من هذا القبيل، فاحتمال القتال فيها أمر راجح، ولا سيما وقد أصبح الجهاد مشروعا للمسلمين.
[مزاعم المستشرقين في هذه السرايا]
زعم بعض المستشرقين أن هذه السرايا الأولى إنما كان يقصد بها إلى نهب تجارة القوافل، فإن النهب كان بعض طباع أهل البادية، وأن أهل المدينة